أكتب عن التعب.. بتعبٍ آخر

سلمى الجابري

 

في المقهى، أنتظر الحظ، أراقب الكراسي الفارغة، الأكواب المتسخة، ثمة من ينفث السجائر، والآخر يمسك بيدِ من يحب، وأنا، أنا لا شيء أفعله سوى الكتابة، ومراقبة الوجوه، مراقبة تعب النادل بين الطاولات، أراه يمرر عينه على الجميع، يبتسم قدر الإمكان، لكن لا أحد يبتسم له، رغم ذلك لا يظهر استياءه، وعلى سبيل الحصر، هذا الرجل الذي يتلبسه الصمت لا ينصت جيدًا لامرأته، يبدو وكأنه يغرق في عوالمه، يبحث عن منفذ للهرب، فيفشل، وتلك المرأة التي في أقصى اليمين، تراقب هاتفها باستمرار، تكاد عينها لا ترى أي شيءٍ سواه، وأنا ما زلتُ أكتب بمعيّة التعب، أراقب الحكايا التي تتوسد ملامحهم وأكتب، أكتب كي تطلّ عليّ أنت من بين الكلمات، من بين القصائد، والكتب، أكتب، لأتقاسم معك الأسرار، اللحظات التي لم تكن فيها معي، ولم أكن فيها معك.

ثق بحدسك، بالشعور الذي ينبؤك، يؤلمك، ويقودك نحو تفاصيلٍ لم تكن لتدركها وحدك، ثق به جيدًا، وإلا ستختنق بقلقك، بحيرتك، بوجعِ الأفكار الدامية دون يدٍ تربت فوق قلبك.

أحاول التنفس، الاتكاء على مشاهدٍ غير قابلة للسقوط، مشاهد لا تمهدني للانهيار، لا تهمني لو أنها اختفت، إني أتنفس هذه المرّة لكن بصعوبة، تضيق بي الحياة من كلِ جهة، إنها تبعدني عنك، تبعدني عني وعنّا، تأخذني نحو أفكارٍ مظلمة، أفكار تتغذى على صبري، على صمتي، على المسافات الباكية بيننا، فلا فرار لي منها ولا نجاة، إني بحاجةٍ لصدرك، للحظةِ عناقٍ طارئة، تحجب عني كل هذه الوساوس دفعةً واحدة، إني أحتاجك أنت، بقدرِ ما تحتاجني وأكثر.

كل ما قد نشعر به من حيرة وقلق، هو في الأصل مؤطر، كبروازٍ مائلٍ على جانبه الأيسر، وحدها التفاصيل العالقة فوق مشجب الحنين، هي من تأتينا بهيئتها الكاملة، وكأنها تختصر البداية والمنتهى، في ذات الآن، وبذات الدمع، أما الليالي المُلتحفة ببردِ اللهفة، ما عاد يغريها ضوء النهار، وما عادت الشمس كافية لتدفئتها، وحدها الأصوات الممتدة من حناجر الحب، كفيلة بأن لا تبقي فيها ولا تذر، وحدها الأصوات قادرة على أن تبدد ظلمة الليل الشاحبة، بضحكٍ وأغنيات، بهمسٍ وصمت، لذا عليّنا أن نبحث جيدًا، عن الصوت الباقي فينا، رغمًا عن الرحيل، وعن لحظة التلاشي، حتى يمكننا الاستمرار، مع هذا الكل من الضوءِ والظلام، دون أن تنقطع الحياة من ملامحنا..