الأدب السوري ينثر عبقة ويبكي الحضور في ألمانيا

مهرجان ثقافي للأدب السوري والأدب الألماني
لبنى ياسين مع الكاتب الألماني كريستيان كلاين
عذوبة الإبداع أبكت الألمان وملأت قلوبهم شجناً
الأديبة السورية لبنى ياسين
4 صور

في ليلة تماهت فيها اللغة العربية والألمانية، ارتفع الصوت السوري؛ ليحكي عن مرارة الواقع، وما يتعرض له السوريون من مآسٍ، فقد استضافت مدينة كولن الألمانية مهرجاناً ثقافياً للأدب السوري والأدب الألماني على مدى يومي 8 و9 أبريل الماضي.
وشارك في اليوم الأول للمهرجان عدد من الأدباء السوريين، ومن بينهم: جبار عبدالله، محمد مطرود، إبراهيم الجبين، ومن الألمان هارولد كلاين عالم الآثار الذي قضى حوالي ثلاثة عشر عاماً في سوريا، وكتب قصصاً عن حياته هناك، وكان للمعزوفات والأغاني على العود حضور في تلك الأمسيات.
وفي اليوم الثاني شاركت الشاعرة لينا عطفة، والأديبة لبنى ياسين، والصحفي مصطفى علوش، والأديب مر قدور، والشاعر رامي العاشق، والأديب الألماني كريستيان لينكر، والذي قرأ قصة مراهق ألماني ترك ألمانيا ليلتحق بداعش، وقامت المترجمة الألمانية لاريسا بترجمة النصوص للجمهور الألماني.
ووسط حضور ألماني كبير، تألق الأدباء السوريون، وتفاعل الحضور مع النصوص، وهطلت دموع الحاضرين مع الحكايات المأساوية، التي حاولت أن تجسد الواقع السوري، فقد صالت النصوص وجالت لتتحدث عن سوريا في زمن الثورة والهجرة واللجوء والهروب والسجن.
وكان من بين النصوص، التي تفاعل معها الجمهور الألماني، نص الأديبة السورية لبنى ياسين، وكان عنوانه «قمر واحدٌ لا يكفي»، وعن مشاركتها تقول لبنى ياسين لمجلة «سيِّدتي»: المهرجان رائع من حيث الفكرة والتنظيم، وكان الحاضرون متفاعلين بشكل ملفت مع نصي، والذي تحدثت من خلاله عن قصص الهاربين في قوارب الموت، فقد أبكت القصة الجمهور بفئتيه العربية والألمانية، كما أن الكاتب الألماني كريستيان كلاين، والذي كان يفترض أن يبدأ الحديث بعدي مباشرة، اعتذر، وطلب دقائق يستجمع فيها نفسه، فحسب تعبيره «قصة لبنى ياسين جعلته في حالة صدمة»، وبعد انتهائنا، تقدم نحوي مصافحاً، وقال: إنه لن ينسى قصتي، لافتاً إلى أنه وضع علامة عليها ليعيد قراءتها، لكنه لا يعرف إن كانت لديه الجرأة لقراءتها ثانية لشدة ما بها من وجع.
وذكرت ألمانية من بين الحضور أنها لم تكن تعلم أن الأدب السوري بهذا المستوى من الجمال، واقتنت الكتاب الذي جمع النصوص، التي تمت قراءتها في المهرجان، لتحتفظ بالقصة لديها، ولم تكن نصوصي فقط هي من شهدت هذا التفاعل، بل كانت كل النصوص على درجة عالية من الإبداع والمصداقية والتأثير، واستطاعت أن تدهش الحضور، فقد كانت تتم قراءة النصوص بشكل متبادل بين النص العربي، الذي يقرؤه الأديب أو الشاعر السوري، وبين الترجمة، التي يقوم بقراءتها المسرحي الألماني توماس.
من النص
قمر واحدٌ لا يكفي
على الجهة الأخرى من القارب، تلك الأم التي ما زالت في ريعان الصبا، تضم طفليها، بل هي تتشبث بهما كما يتشبث الغريق بقشة.. تتفقد جبين أحدهما كل بضع دقائق، الطفل محموم منذ أيام، وحالته تسوء باضطراد مخيف، لم يأكل شيئاً منذ يومين، أو ربما ثلاثة.. الطفل يتشنج بين يدي أمه كقطعة خشب، ويفقد وعيه كلياً، تصرخ المرأة، يحاول أحدهم مساعدتها، لكن لا فائدة.. يحاول أحدهم مسح وجهه بالماء.. دقائق ويعود جسم الطفل طرياً، كقطعة قماش قديمة، لا حياة فيها، تحاول أمه إيقاظه، لكنه لا يستجيب، يحاول الرجل الذي يبدو أن لديه معلومات طبية، لكن الطفل يخذله كما خذل أمه، يضع الرجل أصابعه على عنق الطفل، يتحسس نبضه، تعتم النظرة في عينيه، يهز رأسه بأسف معلناً انتقال الطفل إلى مكان أكثر أمناً... لا تصدقه الأم، تضع أذنها على صدر طفلها، تعلن أنه يتنفس.. وتصر على أنه حيٌّ يتنفس، يحاول الرجل إقناعها، لكنها تصرخ في وجهه.