الحرية مقابل المشاركة

أميمة عبد العزيز زاهد

قالت: (الحرية مقابل المشاركة) شعار حلمت به طوال عمري، وتمنيت أن أحيا من خلاله سعادتي، وعندما أتت لحظة الانتقال من مملكتي الخاصة، تلبّسني الخوف، فأنا كنت أعيش حسب رؤيتي؛ أنام، أستيقظ، آكل، أشرب، أخرج، أكتب في أي وقت، ومتى شئت، وبدأت أفكر بتوتر لقرار انتقالي لمملكة جديدة، لن أكون وحيدة كما اعتدت طوال حياتي، فهناك من سيشاركني حتى أفكاري، وهناك من سيقاسمني حياتي، رغم أن أقصى أمنياتي كانت أن أجد إنسانًا يشاركني لحظة سعادة وصفاء، ولكن القول دائمًا سهل والفعل صعب. وكنت أقنع نفسي بأنها سُنّة الحياة والفطرة الطبيعية التي خلقنا الله بها، ولكل حياة جديدة إيجابياتها وسلبياتها،

فبدأت أقترب بحذر، وأرحب بتردد؛ حتى أصل لبر الأمان، وبعد مواجهة صعبة مع ذاتي؛ شعرت في بعض الأحيان بتناقض عجيب داخل أعماقي، واحترت في أمري، وبعد عناء وجهد وتحدٍ؛ كنت أصارع بكل لهفة المحروم من الحنان، وافقت على خوض التجربة. فقد كنت أخطط لحياتي أولاً من أجل مصلحتي، ليست أنانية مني، فكل إنسان يبحث عن مصلحته أولاً، وقررت مصيري، وجازفت بدخول أكبر وأهم مشروع في حياتي، فقد كان أبرز ما يميزه شخصيته الوسطية، كان ذكيًا ولم يكن ثريًا، ولكنه مكتفٍ، ولم يكن مغرورًا، ولكنه معتز بشخصيته، لم يكن جميلاً ولكنه جذاب. وعرفت عيوبه مسبقًا، ولكن كنت أقنع نفسي بأن لكل عيب علاجًا، وفي المقابل كان أهم سبب جعلني أتمسك به؛ هو إيمانه بمبدأ المشاركة، وتزوجت، ويا ليتني لم أتزوج ولم أنادِ يومًا بمبدأ المشاركة!! فقط كرهت هذا اللفظ بعد معايشتي له في الواقع، وتمنيت أن أمحوه من ذاكرتي.

وانهارت أحلامي، فأنا أقوم بالأعباء نفسها، ولي مطلق الحرية بالخروج والسهر، وحتى السفر، فهو من وجهة نظره قد وفّر لي الظروف الملائمة والمناخ المناسب للعمل، ولم يطالبني يومًا بأي أمر يطلبه الزوج من زوجته، فأنا في مفهومه لا أختلف عنه، فلي مثل ما له، وعليّ مثل ما عليه، فلا يوجد في مفهومه رجل وامرأة، زوج وزوجة، هناك حياة مشتركة مناصفة من دون أدنى مناقشة. حاولت أن أتفاهم معه بأني أرحب بمفاهيمه، لكنّ هناك نواحي لا بد أن يكون هو مالك الزمام والقائد فيها، وبدأت أنا من أطلب منه القيام ببعض الأمور؛ لعدم قدرتي على المشاركة فيها، ولكن من دون جدوى، حتى وصلت إلى مرحلة لم تعد مناقشتي معه تغريني أو تهمني بالاستمرار، فكل الأمور مهما كانت شدة اختلافها متساوية، وكل رغباتي الملحّة مهما كانت أهميتها سيان لديه، وتراني في قمة استغرابي أمام جموده، وأنا أرى حياتي معه وقد أصبحت تقاس بالثمن؛ كم أدفع من أحاسيس ومشاعر، وكم أمنحه من اهتمام، وكم أساهم في بناء حياتنا، وعلى قدر اجتهاداتي تكون النتيجة، حتى تناولت المشاركة أجمل ما في حياتي، فكان لا بد من مقابل لها، فلا شيء بدون دفع الثمن، وقد يكون الدفع مقدمًا!

لا بارك الله في المشاركة إذا كانت بهذا المقياس، ولا بارك الله في إنسان لا يفرّق بين احتياجات وحقوق وطلبات ورغبات وتكوين الرجل والمرأة..