أي علاقة اجتماعية لا يمكن أن تثمر أو تستمر من دون الثقة، فما بالنا بأقدس علاقة، وهي العلاقة الزوجية، والمؤسف حقًا أن هناك بعض الأزواج تكون الثقة موجودة بينهم في البداية، ولكن مع مرور الوقت تبدأ بالانتحار البطيء، نتيجة استخدام أساليب ملتوية، أو ما يسمى بالكذب الأبيض الذي يمارس باسم الحب أو الخوف على مشاعر الطرف الآخر، من دون أن يشعر بأنه يدق المسمار في نعش سعادته.

لأن الغش والكذب والاستغفال أكثر إيلاماً من إخفاء الوقائع وإظهار الحقيقة، حتى ولو كانت مريرة، وفي كل الأحوال فالصدق أفضل من الخداع…والصراحة مع مـرور الزمن تزيد من قوة الرابطة لمعرفة الطرفين بأنه مهما حدث بينهما من مشاكل فإن كلاً منهما يمثل للآخر مرآته الصادقة.

وبالعِشرة الجميلة تتولد أعمق وأصدق الأحاسيس، وتزداد قوة على مـر الأيام، وتتحول العلاقة لصداقة متينة، صداقة تولدت من الحب الذي جمعهما، والذي أخذ منحنى آخر، وأصبح يترجم من خلال أمور كثيرة متعددة ومتشعبة، فظروف الحياة وتغير الأوضاع من اتساع نطاق الأسرة، وما يترتب عليها من ازدياد المسؤولية، تتغير على أثرها النظرة الرومانسية الحالمة، وتعيش الواقعية، والتي لن تصمد من دون مشاركة وتضحية وصبر وعطاء، ولن تستمر بلا حب مدفون في الأعماق ورصيد نستخدمه في الأزمات….. فالعشرة كلمة شاملة لمعانٍ ملموسة ومحسوسة كثيرة، والواجب يعدّ ركناً أساسياً فيها، وليس كل العِشرة هي الواجب فقط، وإلا فقل على العلاقة السلام؛ لأن الواجبات المادية والالتزامات الملموسة ممكن أن تنفذ من على بعد آلاف الأميال، وبذلك لن تتحقق الأهداف المرجوة من العِشرة وهي السكن والمودة والألفة والمحبة …فالعِشرة تجعل من الطرف الآخر أقرب لك حتى من نفسك…وأكثر تفهمًا لمشاعرك وأحاسيسك ومتاعبك فيتفقد مصدر حزنك وهمومك ويبدد كل ما يتعسك ويشقيك، ويكون منبعاً لكل ما يسعدك …فبالعِشرة يعرف كل شريك ما يحب وما يكره الطرف الآخر، هذا لو فهم المعنى الحقيقي للحب والصداقة والعِشرة؛ لأن الكلام سهل والأصعب منه هو التطبيق، فهناك خلل في مفهومنا وتطبيقنا ومناداتنا بشعارات ترفع قبل الممارسة، وتنكس عند المعاشرة والنتيجة الغالبة هي الفشل.

فإن الحياة الزوجية عبارة عن أحلام مشتركة وعِشرة عمر، ومن الطبيعي أن تعاني من الفتور والرتابة بسبب المشاكل التي يواجهها الزوجان؛ لذا كان هناك الكثير بين مؤيد ومعارض، واختلفوا في أهميتها ووضعوا لها شروطاً محددة لنجاحها، وحذروا من توابعها، ولكن ليست قاعدة عامة، فلكل حالة تركيبتها الخاصة.

كما أن العِشرة هي التي تولد الحب الحقيقي، والمثالية تكمن في تحقيق المودة والرحمة، فالمال والجمال والشباب زائل، بينما الأخلاق هي الباقية، وهي التي تتوارثها الأجيال، والمثالية لا يمكن لأحد أن يمتلكها، ولكن ما نطلبه أن نكون قدوة صالحة ومثالاً طيباً، وأن نؤمن بأن التصرفات والمواقف التي قد نواجهها ليس بالضرورة سيئة، وإذا كانت كذلك فلا بد من مراجعة أخطائنا وتصحيحها، فالرجوع للحق فريضة قبل أن يكون فضيلة..