العرض المسرحي المصري "لو كنت".. الإنسانية لا يمكن أن تتجزأ

الفنانان سلوى أحمد ومحمد خميس من العرض المصري
آخر مشاهد العرض المصري
محمد خميس من العرض
مشهد من العرض
شخصية سلوى أحمد من العرض
5 صور
لأن الإنسانية لا تتجزأ، ولأن همومها ومشاكلها واحدة حتى لو اختلفت اللغات أو الأشكال والأعراق، وحتى لو اختلف شكل وحجم المأساة، بهذه المقولة قدم العرض المصري "لو كنت" من إعداد وإخراج محمد خميس، والذي عُرض في ثاني أيام مهرجان عشيات طقوس المسرحية بدورته العاشرة، والذي يقام على خشبة أسامة المشيني في مديرية الفنون في جبل اللويبدة في العاصمة عمان.

العرض المقتبس عن مسرحية الأديب الياباني "هيساشي إنويه"، والذي قدمه على خشبة المشيني كل من المخرج نفسه بجانب الفنانة سلوى أحمد، التي نالت في وقت سابق جائزة أفضل ممثلة صاعدة في المهرجان القومي للمسرح في مصر، تدور أحداثه حول ما تمر به فتاة بعد 3 أعوام من كارثة القنبلة النووية الأمريكية على مدينة "هوروشيما"، والتي كانت من الناجين القلائل من هذه الكارثة، والتي تعيش صدمة نفسية كبيرة بعد ما حدث، إضافة إلى شعور بالذنب لأنها نجت لوحدها بعدما لقي جميع من تحب حتفهم حينها، مُظهراً العمل المآسي التي عاشها اليابانيون والتي لا يزال يعيشونها، ليس فقط على مستوى من فقدوهم من أحبة وعائلات، ولكن ما يعانيه الكثير منهم من مشاكل وراثية أيضاً منعت ارتباطهم خوف إنجاب أطفال مشوهين، وعلى جانب آخر، كيف صار هذا الحدث، محفوراً في ذاكرتهم، وفصلاً لا يمكن محيه من حياتهم.

وتعيش هذه الفتاة وحيدة في منزلها، حيث يزورها دوماً شبح والدها الذي مات في الكارثة ويقدم شخصيته محمد خميس، ويحاول أن يعينها على استكمال حياتها والعيش بشكل طبيعي، إلا أن قوة الصدمة لما مرّت به غالباً ما يكون أقوى من كل هذه المحاولات.

العمل من الداخل..
تحلّى معد العرض ومخرجه محمد خميس، بجرأة كبيرة لتقديمه هذا الموضوع للمسرح العربي، وباللغة العربية، وبدون أن يحاول "تعريب" الأحداث، أو إسقاطها على واقعنا كشعوب وبلدان عربية، حاملاً بذلك همّاً إنسانياً كبيراً وخالصاً، إلا أن هذه الجرأة قد تكون سلاحاً ذا حدين، الحدّ الأول كما أسلفنا بالذكر "أنسنته" للكوارث العالمية، والثاني مدى تقبل المتلقي العربي لهذه المواضيع، أما على المستوى الإبداعي، تمكن خميس من نقل فكرته المسرحية بشكل ناجح إلى حدٍ كبير على مختلف عناصر العرض المسرحي، من نصّ وحوار، من إضاءة وديكور ورؤية إخراجية للمشهدية البصرية التي قدمها على الخشبة.


النصّ..
نجح المخرج المصري بإيجاد منطقة تلاقٍ بين عالمية العمل، ومحليته أو "تعريبه"، من خلال الحوارات التي كانت معظمها باللهجة المصرية باستثناء القليل منها بالفصحى، فكان واضحاً اشتغاله على هذه الحوارات، ولم يقع بفخ لغة المُترجم التي يقع فيها الكثير من المخرجين أو المعدين للنصوص المسرحية، ولم يحملها لغة أدبية صعبة تُقيد الفعل المسرحي للممثلين، ومن جهة أخرى، كان ناجحاً جداً بأن لا يجعل هذا العمل العالمي غريباً على المتلقي العربي، من خلال اختياره للمواضيع والأماكن التي يتشارك فيها معظم الناس بالثقافات المختلفة، مثل "المكتبة، الشاطئ، علاقة الأب مع الإبنة" وغيرها من القواسم المشتركة التي ركّز عليها خميس خلال إعداده للعمل، ما قرّب العرض إلى جمهور المهرجان، فكان ناجحاً كما ذكرنا في أن لا يحسه الجمهور غريباً.

السينوغرافيا والديكور..
اعتمد خميس إضاءة بسيطة مناسبة، أصابت معظم أهداف رؤيته الإخراجية، وكانت خالية من أي ثرثرة مسرحية من شأنها أن لا تخدم العرض أو تُحمّله تأويلات هو في غنى عنها، فكانت قليلة وواضحة لإظهار الحالة الدرامية، خاصة في انتقال الممثلين بين الواقع والخيال، إلا أنه لم يُفلح كثيراً باستخدامه عرض مشاهد فيديو لمعاناة اليابانيين في تلك الحقبة التي يتحدث عنها العمل، في خلفية المسرح، حتى وإن كان الهدف منها تقريب فكرة وموضوع العرض من الجمهور، إلا أن الحوارات وأحداث العرض كانت كفيلة بتوصيل كل ما سبق، إضافة إلى أنها – أي مشاهد الفيديو – لم تجذب المشاهد لكثرة الفعل والمنولوجات المسرحية، التي شّدت انتباهه منذ البداية، فكانت غير مبررة جداً، ولم تخدم العرض بشكل كبير.

أما بما يخص الديكور، فتمكن خميس من جعله مناسباً وخادماً للحالة المسرحية إلى حد كبير، فعلى الرغم من قلته، إلا أن كل واحدة من هذه القطع كان لها دورها ووظيفتها التي تخدم الممثل على الخشبة، بالإضافة إلى استفادته من الأبعاد والعمق الذي خلقه من خلالها لانتقال الممثلين بين حالتين وبعدين مختلفين.

الممثلين..
كان كل من الممثلين عنواناً هاماً في العمل، يجب التوقف عنده مُطولاً، فقد نجحا بتقديم أداء مضبوط على جميع الأصعدة، وكان واضحاً الإنسجام الكبير بين الممثلين، لا سيما على مستوى الإيقاع الذي مضى بسلاسة وسرعة شاداً انتباه الجمهور حتى لا تضيع أي حركة أو جملة أو حدث، وكانا بعيدان تماماً عن أي ثرثرة مسرحية في الأداء، إضافة إلى أن معظم ردود فعلهم الدرامية كانت في مكانها، باستثناء القليل منها التي كانت ردات الفعل غير ملائمة تماماً للحالة الدرامية اللحظية، إلا أن ذلك لم يقلل من جودة أدائهم الإبداعي الذي قدموه على الخشبة، وكانا مُتشربان لأحداث وحوارات وحال العرض بشكل كامل، ما تسبب بإنتاج عرض مسرحي ناجح.