تلذذ بذاتك  قبل أن ينهيك التعب

سلمى الجابري

 

  أنت لم تستيقظ بعد، كل ما تفعله هو بعيد عن اليقظة، تشرب قهوتك، تراجع بريدك، تقبل المزيد من الإضافات الغريبة، تهمّ بمغادرة بيتك، تقفل كل ما قد يقلقك بداخله، ثم تغادر لتواجه الحياة بمفردك، فجأة تشعر بأنك أعزل، وحيد، غريب، وغير ظاهر، قد يخيّل لك أنك طيفُ شبح زار المدينة صباحًا، وهل هنالك أشباحٌ تجتاح المدن في الضوء؟ لا أعلم، لكن قد تكون أنت أول شبحٍ يفعلها ولمَ لا؟ كل الأشياء التي نريدها، أو تلك التي نخاف منها، لا بدّ أن تكون لها مرةٌ أولى ثم تستمر بالمجيء والرحيل.

لم تستيقظ بعد، مازال ألمك طازجًا، أنت تقف عند بداية الفقد، قف مطولاً قدر ما شئت، لا شيء سيخفف وطأة الوجع أمام رحيلهم.

أنت يائس، مجروحٌ قلبك، تبكي أمام أشيائهم، لا يسمعك سوى بقايا الذكرى، انتهى حدثك العاطفي، هل لك أن تعود لواقعك الآن؟ لا تفقد وجهك، لا تهمله، سيفضحك حينما تسرق ابتسامة ليست ابتسامتك، يكفي ألا يخذلك الدمع حينما تصافح يدًا تشبهُ يدهم، يكفي ألا تكرر الأحاديث، ألا تعيد للأغنيات القديمة لحنها، ابدأ وكأن كل شيء بدأ بالولادة معك.

قد تستيقظ الآن في أية لحظة، لا تنهض بسرعة، دع النعاس يرحل ببطء، لانتهاء الحلم لذة، للغرق في سيلِ الأفكار لذة، للتعاطي مع رائحة الوسائد كل صباح يعبرك لذّة، للاستلقاء في منتصف سريرك ويداك خلف رأسك لذة، أنت تنظر للأعلى، للسقف المذهول، أنت الآن بمفردك، لا أحد يشاركك أي شيء، وهذا أيضًا له لذة، تلذذ بذاتك قبل أن ينهيك التعب، قبل أن تنهض مجددًا ولا تجدك من جديد.

ها أنت قد استيقظت الآن، افتح بابك من جديد، لا تقلق على من ستجد خلفه، فقط اجلس وراقب ما سيحدث أمامك دون مبالاة، هذا كل ما تحتاجه وستحتاجه يا صديقي..