أنت تدور حول كدمات صدرك

سلمى الجابري

 

  لم أكبر بعد، كل ما في الأمر بأني لم أهتم لأرقامِ عمري قط، ما زلت طفلًا، أركض نحو الوجوه التي تبتسم لي، نحو الأيادي التي تداعب رأسي ثم تعطيني حلوى في النهاية، لم أكبر بعد، حتى تدير الحياة لي ظهرها، ما زال هناك متسع لمصافحةِ المارة، لسرقةِ ألعاب الجيران، وللهرب من توبيخِ والدي، ما زال حضن أمي دافئًا، بينما ما زال الكثير من الكذب عالقًا في فمي كي لا تتركني للنوم وتختفي.

لم يخبرني أحد بأني حينما أكبر، سأواجه كل متاعب العالم بمفردي، دون أن تحميني أمي.

كل ما في الأمر بأني لم أعد أبكي، قلبي يبكي نيابةً عن كل الذين كبروا سريعًا دون أن يودعوا طفولتهم كما يجب، هل كان لزامًا أن تهيئنا الحياة قليلًا؟ فتحوا مدارسَ لمراحلِ عمرنا، لتعليمِ اللغات، لتعليم القيادة، السباحة، الرسم، الركض، الموسيقى، الطيران، لكن لم يجرؤ أحدٌ بأن يفتح مدرسةً لتوديع البراءة، هذا العالم سيئ، سيئ، بما يكفي كي يلوثك رغمًا عنك.

أنت تشتاق لعاداتك الجديدة، تلك التي لم تخلقها بعد، فقد مللت من تكرار كل شعورٍ فيك، أنت تتجدد، تنفض عنك رائحة الطرقات القديمة، تتلون، قبل أن تغرق بالسواد، أنت لم تمت، لم يقتلك الحب كما قالوا، لا شيء يدعوك للخجل.

اصرخ، اعبر كل العوالم خطوة بخطوة، لا تتوقف حينما ترى اللافتة، لا يمكنك أن تصل إلى النهاية على أية حال، أنت تدور حولك، حول كدماتِ صدرك، لم تتجاوز خيبتك بعد، وهذا ما يؤلمك للغاية أنك لم تعد طفلًا يمكنه أن ينسى، يتألم ثم ينسى، يُضرب ثم ينسى، يتعرض للكذب في كل مرة بحجة أنه لا يفهم ثم ينسى، يفقد أصدقاءه واحدًا تلو الآخر ثم ينسى، يسقط، يُجرَح، يتم اغتيال طفولته ثم ينسى، أنت الآن كبرت ولن تنسى أيًا مما سبق..