حفلة العمر

محمد فهد الحارثي

 

  لم يعد يثيرني صخب العالم وضوضاؤه، ما عاد هذا العالم يعنيني. زاوية هادئة في حضورك تختصر كل حفلات الدنيا وأفراحها. يصبح ضوء الشمعة وهجًا يتجاوز في نوره أضواء الاحتفالات وبريقها. السعادة الحقيقية ليست في ضجيج الحفلات، بل في اللحظات الثمينة التي تقضيها مع من يستحق. حينما أكون معك فهذا هو الاحتفال بذاته.

يسافرون من مكان إلى آخر، يبرمجون أوقاتهم ورحلاتهم؛ بحثًا عن أوقات سعيدة تبقى في ذاكراتهم. اختاروا الطريق الخطأ. القضية هي في البشر، وليست في الأماكن، بالنسبة لي، الرحيل هو منك وإليك، والسفر هو التحليق في فضاء عالمك الذي لا ينتهي.

كلما تأملت عينيك؛ أكتشف كم هذا العالم كبير، وعندما أسمع صوتك أدرك كيف أن الموسيقى لا يزال أمامها الكثير. منذ دخولك حياتي ارتدى العالم ألوانًا جديدة، وقرر البشر أن يستعيدوا ابتساماتهم، واكتشف الأمل أخيرًا طريقه إلى الآفاق؛ فأصبح إيقاع الحياة أكثر تفاؤلاً.

كلما أخذتني الخطوات بعيدًا عنك، أكتشف كم أنا محظوظ بك. الزيف كله مساوئ، حسنته الوحيدة أنه يكشف قيمة النقاء والصدق. الخطوات التي تذهب في الاتجاه الآخر هي في الواقع تقرّبني إليك، وتبين لي كيف أنني استثناء في هذا العالم.

القيمة هي في المعنى والعمق، فالأشياء العابرة، مهما كانت مثيرة وغالية، تنتهي قيمتها بمجرد امتلاكها. لكن لحظاتي معك تتجدد كل يوم. كل مرة أراك فيها ألمس ملمحًا رائعًا، كأنه لقاء العمر، كأنه اكتشاف جديد.

احتفالي في هذا الركن الهادئ استثنائي بكل تفاصيله. ضوء خافت جمع كل الألوان. موسيقى ناعمة اختزلت كل الألحان، وامرأة هي كل النساء.

 

 

اليوم الثامن:

كيف استطعت بمجرد حضورك

أن تعرّي الموسيقى من صخبها

وأن تجردي الأضواء من ألوانها

وأن تعيدي النقاء إلى عالمنا؟