إننا نموت أثناء الحب

سلمى الجابري

 

منذ زمنٍ لا بأس به، قد توقفت عن كتابة الرسائل، لا أحد يقرأ، ولم أعد أجيد الكتابة بشكلٍ أصح؛ لأنه لم تعد لي ذاكرة، أو حتى ذكريات تذكر، كل ما لديَّ هو العدم بظلامه وصمته، وقد يكون هذا زائدًا على الحاجة أيضًا، فعلى كل حال كل من يعيشون اليوم هم مثقلون بالحنين، بالماضي، باللحظات العصيّة على النسيان، ما عدا أنا؛ لم يعد أي شيء أمامي قد يشكّل بُعدًا آخر من الحب، ففي كل مرة أحاول فيها أخذ جرعتي الوقائية ضد النسيان، أجد أمامي صورة تمنح الصمت جماليّة، وللحياة كل الحب، أمامي امرأة تمسك بذراع رجل مكتظ بالحب وبالبالونات الملونة، وكأنهما سيطيران معًا، أو كأنها تخشى فقدانه، ككل من رحل عنّا يومًا بشكلٍ صادم للغاية، تمامًا كما كنتُ يومًا ما أنا، على ما أعتقد، ولكني لم أعد كذلك.

إنها مجرد صورة، قد التقطت لغرض إفشاء الحب، أو كأنها صالحة لإعلان ترويجيّ عن الزهايمر مثلاً، فلا يمكننا أن نعيد تحميل ذكرياتنا من جديد، لأننا سنفقدها في لحظة من دون رغبة منّا، ثم سيبدأ كل شيء من عقبها بالتخبط، إننا كذلك حينما نحاول بشتى الطرق أن نعيد للماضي بريقه، شبابه، براءته، فلا نستطيع.

لقد تلطخنا بالندم، حينما كنّا نبحث عن طريقةٍ صالحة للبقاء معهم، برغم الألم.

وبلغةٍ قد تعيد نفسها أمام كل من سيقرأ، لم يكن الحب كافيًا، بل كنا بحاجةٍ للكثير، أكثر من المفترض، أكثر من الاحتياج، أعمق من هذه الحياة، ومن هذا الحظ. إننا نقف أمام النهاية؛ فلا يوجد شيء صالح للعيش من بعدها، وكل ما كان قبلها لن ينزح معنا، بل سيبقى في العدم؛ حيث لن يلحظه أحد، حيث تنتهي كل الحكايا العظيمة كما لا تستحق.

إننا نموت قبل الحب، أثناء الحب، وبعد الحب، ما هذا الشعور الذي يقتلنا في كل حين دون أملٍ في النجاة؟! .