أنا الظلام الذي يغطي وجهك

سلمى الجابري

 

 

أنا لا أعي تمامًا ما يحدث، تتحطم الآمال بداخلي بشكلٍ متتابع، تتباعد الطرقات في رأسي، ثم بشكلٍ لا يعقل تتداخل دون اتجاهات، دون مفرق للخروج، أو للتراجع، هذا الشارع لا ينتهي، لا ينتهي كلّما كانت المسافة بيننا صفرًا.

في الحقيقة لم أمرض منذ مدةٍ لا بأس بها، لم أمرض عاطفيًا، لم يصبني سعار الحنين، لم أنهش جلدي، ولم تحرقني عيني، أنا ذلك الإنسان الذي لم يكن ليقف طويلاً أمام نوافذ غيره بنيّة تحسس قلبه، كلّما رأى رجلاً يعانق امرأته من قرب بلل نافذتهما، لم أصب بذلك الفقد الذي يطيح بي أرضًا، لم أستسلم بعد لنوبات الانتظار رغمًا عن وحدتي.

أنا الوحيد أمام عينك، أنا ظلهما، أنا ظلك، أنا قيامتك، وآخرتك، لا شيء يحول بيني وبين نهارك؛ فأنا ليلك، أنا الظلام الذي يغطي وجهك، جلدك، وعينك، أنا الوحيد من يراك، كما لم أرَ من قبل غيرك.

كم عدد المرات التي قد ناقضت نفسك فيها؟ فأنا متخمٌ بالتناقضات، بالأحلام المتقاطعة، أسير بعكس الرغبة، لا رغبة لديّ، سوى أن أكونك بهذا التجسيد البائس، ماذا عنك؟

لحظة، خذ كل دوخة العمر بشهيقٍ يملأك، ثم ازفره بقسوة الحب، تخلص من زوائدك، كما تتخلص المرأة من ثياب خائنها؛ فلا ذاكرة لديها إلا الرائحة، أنت رائحتي، التي أكرهها، التي ألاحقها، تلاحقني، أذكرها، تتذكرني، أبعد عنها، تبعد عني، أترقبها، تضيع بداخلي.

أنا لا أعي تمامًا ما سيحدث لموسمِ الهزيع القادم، لمن سأشكو يتمه، وأنا اليتيم أمامه! لا أعي ما سيحدث للرسائل التي تنتظر، للأحبار، للكلمات المتشظية بوحشتها، لا أعي هذا الكم الهائل من توابع وجع الكبرياء يا الله دون أن أكتبهم بنية الموت، لا أريد الموت بعد، لستُ أنا من يموت حبًا وقلبه مثقل بذكريات العالم..