جدلية "العاصوف" تزيح الستار عن انفتاح السعودية السبعيني

النجم ناصر القصبي

لقطة من العاصوف

7 صور

من المفارقات أو المصادفات المثيرة للتأمل أن يتأجل عرض مسلسل "العاصوف" الذي يتناول التحولات التي شهدتها العاصمة السعودية الرياض خلال حقبة سبعينيات القرن الماضي من شهر رمضان العام المنصرم إلى شهر رمضان هذا العام؛ ليتواكب مع حركة الانفتاح الكبرى التي تشهدها المملكة ثقافياً وفنياً واجتماعياً، وكأن هناك قرون استشعار كانت تدرك أهمية هذا التأجيل ليتزامن مع حركة نقدية واجتماعية متفاعلة بطموح مع التحولات السريعة التي يقودها ولاة الأمر بجرأة وثبات غير مسبوق، ليصبح المسلسل ذاته انعكاساً لعاصفة المواجهة والانفتاح في المجتمع السعودي.

وتأتي أهمية هذا المسلسل في أنه يرصد الطفرة التي شهدتها السعودية منتصف السبعينيات والمنعطفات التي مر بها المجتمع السعودي سياسياً ودينياً، وهو أمر بطبيعته مثير لحساسية البعض، كما كتبه الراحل عبد الرحمن الوابلي في 5 أجزاء، ويتولى إخراجه واحد من أفضل مخرجي العالم العربي، وهو السوري المثنى صبح، وتغير اسمه من "بيوت من تراب" إلى "العاصوف" وهي تصغير "العاصفة".

والجزء الأول الذي تابعنا نصفه على الأقل هذا العام -واحتل قائمة الأعمال الأكثر بحثاً في السعودية والخليج بعد الدراما المصرية على محرك جوجل- يروي قصة مدينة الرياض خلال 5 سنوات من عام 1970 وحتى عام 1975 ليرصد حياة المجتمع قبل ما يعرف بالطفرة والتحولات الفكرية التي طالت المجتمع بعد منتصف السبعينيات؛ حيث ينتهي هذا الجزء بوفاة الملك فيصل، بعد تناول فترة الصدام بين التيار المتشدد وما عرف آنذاك بـ"تيار الحداثة".

والمسلسل المصنوع بحرفية فنية واضحة (الإخراج للمثنى صبح) يتوقف أمام تفاصيل وحكايات صغيرة، يحاول من خلالها تفكيك وإعادة رسم المشهد في هذه الفترة بلا رتوش أو خجل، على العكس فهو يريد أن يقول إن هناك وجهاً آخر للسعودية غير المسكون في مخيلة الغالبية خلال هذه الفترة مثل وجود اللقطاء، وقصص الحب الرومانسية والغزل وحتى الرقص، وخلافات أسرية وأسرار اجتماعية لم يكن من الممكن الاقتراب منها قبل ذلك، ومن هنا كان رد فعل العديد من المتابعين؛ حيث الشعور بالصدمة والذي انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير كشف بدوره عن أكبر حالة ديمقراطية درامية، ومواجهة بين تيارات وانتماءات مختلفة سواء محافظة أو منفتحة أو حتى مراقبة لما يحدث بنوع من الحيادية، كما انعكس على الكتاب مثل عبد الرحمن الراشد وسطام المقرن وآخرين، فتفاعلوا مع الجدلية التي أحدثها العاصوف على نحو ساخن.

والحقيقة أن هذه الصدمة طبيعية بل وإيجابية أيضاً في اتجاه تغيير الكثير من المفاهيم الراسخة، والتي تتغير الآن فعلياً في المملكة بإرادة وتصميم، فالعاصوف ليس سوى وجه آخر لإعادة النظر والانفتاح في ثوابت كثيرة، وتابوهات ظلت لسنوات طويلة هي المقياس والناموس الذي لا يجوز الاقتراب منه أو التصوير، فكل المجتمعات فيها الخير والشر طالما هناك بشر، والطهارة الكاملة غير موجودة إلا عند الملائكة.

وعلى المستوى الفني فقد نجح المسلسل في تقديم محاكاة دقيقة لشوارع وأحياء الرياض قبل نحو 50 سنة؛ حيث تمت الاستعانة بأرشيف كبير من الصور الفوتوغرافية، التي توثق تاريخ العاصمة وتطورها العمراني، كما تم استئجار 22 سيارة تعود موديلاتها إلى الفترة من 1950 إلى 1973؛ لتتماشى مع فترة وقوع الأحداث، مع الاستعانة بواحدة من كبريات دور الأزياء السعودية، لتصميم ملابس الممثلين لجميع الفترات الزمنية، التي تغطيها أحداث المسلسل؛ لذا كان من المنطقي أن ننبهر بالديكورات الخاصة بالبيوت الطينية، والأحياء الشعبية، وكذلك برج المياه، الذي يقع في قلب الرياض، وقد مثَّل هذا البرج وغيره التطـور الذي كان يعيشه أهالي تلك الحقبة.

كذلك مشاهد السـوق الذي يمثل (الحراج)، وطقوس الزواج ومشاهد الأفراح، وإحياء حفلات الأعراس فوق أسطح المنازل، و"الكدادة" الذين يتجولون في الأحياء لتلبية طلبات التنقل الخاصة.

أما أداء الممثلين فكان في حالة جيدة ومميزة وعلى رأسهم ليلى السلمان، وناصر القصبي المشاغب الرمضاني، وريماس منصور، ريم عبدالله، عبدالإله السناني، وأفنان فؤاد وليلى السلمان وعبد العزيز السكرين، وسناء بكر يونس، وزار البلوشي، ومحمد الطويان، وغيرهم.