وداعاً أمي..

محمد فهد الحارثي

 

كيف أكتب الكلمات عن وداعك، وأنت من كنت خلف كل كلماتي؟ كيف أعبر عن ما فيني، وكل ما فيني رحل معك؟ ما أقسى الفراق! وما أصعب الحديث عنه! تغادرين وتتركين مساحة بحجم الكون، وفراغاً بامتداد الزمن، وحزناً بامتداد الأبد، تغادرين يا أمي وتتركين عالماً يسترجع كلماتك، ومواقفك، وطيبتك، وعطاءك، تتركين إرثاً من الحب ووصايا أولها الخير وعمودها الإحسان.

يحضرون من كل مكان، يتكلمون عنك أشياء لم نعرفها، خير غرستِه في كل مكان، وعطاء في طي الكتمان، ومحبة للصغير قبل الكبير، واهتمام بتفاصيل ليست لك ولكنها تسعد آخرين.

ليس غريباً أن يبكيك كثيرون عرفوك قليلاً، ولكنهم أدركوا معدنك فأحبوك، ماذا نقول ونحن أبناؤك الذين كنا نغرف كل يوم من حنانك ومحبتك؟.

تتعبيننا يا أمي بهذا الحب والعطاء حتى بعد رحيلك، وما هذا الإيثار الذي كنا ندرك بعضه في وجودك، واكتشفنا كثيره في غيابك؟.

دائماً حديثك لنا: «اعملوا الخير يا أولادي ولا تنتظروا المقابل، قدموا الطيب وعاملوا الناس بحسن نية، تسامحوا فالحياة ما تستأهل، فالخير موجود لكن إحنا نحتاج نشوفه ونحتويه». ونصيحتك الدائمة «اربطوا علاقتكم بالله ولن تخيبوا، لا تحقدوا ولا تنتقموا، ومن أساء فتسامحوا معه، وامنحوا الأعذار للآخرين، عليكم بالصبر فهو خير مطية لكم في هذه الحياة»، كلمات بسيطة، ولكنها أسلوب حياة، نرى تفاصيلها في أحداث كل يوم في مدرستك.

غابت بسمة حياتي وسر فرحتي وموطن سعادتي، غابت أمي، ولكن كما علمتِنا يا أمي التفاؤل في حياتك، تعلميننا التماسك والإيمان والطمأنينة في غيابك، تعلميننا أن الحياة تستمر، وأن الإيمان يمنحنا الطاقة لتكملة المشوار وتقبل الواقع.

نعم. طريق نمشيه وندرك أننا كلنا مغادرون، ولكن فراقك يا أمي صعب، يعيش الإنسان طفلاً طوال حياته، إلى أن تغادر أمه فيشعر أنه هرِم، الأمهات هم الحبل السري الذي يربطنا بالسعادة، هم خير متدفق، نصحو كل يوم بروتين معتاد، ويصحون هن بلهفتهن علينا، يحركهن  حبهن الهادر، ودعاؤهن الذي لا ينتهي.

 الحمد لله على قدر الله، ما يصبرنا أنك بإذن الله في مكان أفضل، وأن الله سيجمعنا بك في الفردوس الأعلى، فهذا أقصى المنى وساعة الرضا.

إلى جنة الخلد يا أمي، وإلى لقاء قريب.

اليوم الثامن:

لا أصعب من فراق الأم،

إلا فراق الأم