أشهر هدف في تاريخ كأس العالم لكرة القدم تمّ تسجيله باليد!

مارادونا يراوغ حارس المنتخب الإنجليزي مسجلاً الهدف الثاني
الهدف الذي سجله مارادونا بيده
مارادونا في طريقه لتسجيل الهدف الثاني الذي أصبح يعدّ أجمل أهداف القرن
الهدف
اليد السحرية لمارادونا
قائدا المنتخبين الأرجنتيني والإنجليزي يتصافحان في بداية المباراة ويظهر بينهما الحكم علي بن ناصر
الهدف الشهير
لقطة يظهر فيها مارادونا والحكم علي بن ناصر أثناء المقابلة
مارادونا يرفع كأس العالم والقميص الذي ارتداه في مقابلة كأس العالم بمتحف «الفيفا»
لقطة من الهدف الذي أثار زوبعة
لقطة من المقابلة يظهر فيها مارادونا والحكم علي بن ناصر
اللقاء الذي جمع مارادونا بعلي بن ناصر في بيته في تونس بعد 29 عاماً من المباراة
صورة للهدف من زاوية أخرى
دييغو مارادونا يراوغ 6 لاعبين إنجليز ليسجل هدف القرن
15 صور

كان يوم 22 يونيو 1986 يوماً مشهوداً في تاريخ كأس العالم لكرة القدم، جرت فيه مباراة ربع النهائي لكأس العالم بين منتخبي إنجلترا والأرجنتين، وسجّل خلالها دييغو أرماندو مارادونا أشهر هدفين اثنين في تاريخ كرة القدم: الأوّل غير شرعيّ سجّله بيده وأقرّه الحكم التّونسي علي بن ناصر، والثّاني أذهل العالم بأسره وصنّفه الجميع لروعته «هدف القرن»، وأجزم خبراء كرة القدم أنّه الأجمل على امتداد قرن بأكمله.

وبعد 32 عاماً، وبمناسبة مونديال روسيا 2018 «سيّدتي» تستعيد تفاصيل وخفايا المباراة المثيرة التّي تعدّ من بين أهمّ عشر مباريّات في تاريخ كرة القدم، وتكشف عن قصص أهداف أخرى شهيرة سجّلها لاعبون آخرون بأيديهم.

منتصف النّهار و50 دقيقة بتوقيت مكسيكو، الطّقس شديد الحرارة، وملعب «أزتيكا» بمكسيكو سيتي يعجّ بحوالي 115 ألف متفرّج.
الحكم التّونسي علي بن ناصر يعطي إشارة بداية المباراة بين منتخبي إنجلترا والأرجنتين لحساب ربع النهائي لكأس العالم 1986، وهي مباراة استثنائيّة جرت في جوّ مشحون وساخن على خلفيّة مرتبطة بحرب «المالويين» التّي اندلعت قبل أربعة أعوام بين إنجلترا والأرجنتين، وانتهت بانهزام الأرجنتين وموت 800 جنديّ أرجنتيني وانتصار عسكريّ لإنجلترا واستعادتها جزر «الفوكلاند».
وعند سؤال لاعبي المنتخب الأرجنتيني قبل المباراة عن تأثير ذلك عليهم أجاب بعضهم أنّهم سيقاتلون لتحقيق الفوز؛ ليثأروا لكرامة بلدهم، وعنونت جريدة «الصن» الإنجليزية «مانشتات» صفحتها الأولى ببنط عريض يوم المباراة قائلة: «إنها الحرب».

هدف مثير للجدل

في هذا الجوّ المشحون جرت المباراة التّي تمّ اختيار الحكم التّونسي علي بن ناصر (42عاماً) لإدارتها، وهو حكم دولي كفؤ ومتمرّس، وسبق له أن أدار نهائي كأس إفريقيا للأمم مرّتين اثنتين قبل المونديال.
انتهي الشّوط الأوّل بالتّعادل السّلبي، وفي الدّقيقة 51 من المباراة يعيد الدّفاع الإنجليزي كرة عاليّة عن طريق الخطأ لحارس مرماهم «بيتر شيلتون» الذّي قفز ليلتقط الكرة، وهو حارس طويل القامة، قفز معه مارادونا وطار في الهواء ـ وهو قصير القامة (متر و65) ـ ليلمس الكرة بيده بخبث كروّي شديد وبسرعة عجيبة في أقلّ من ثانيّة دفعها بقصد بيده؛ لتتهادى إلى داخل المرمى الإنجليزي.
اهتزت الجماهير المناصرة للأرجنتين احتفالاً وفرحاً بالهدف، في حين أنّ اللّاعبين الإنجليز احتجوا ولكن الحكم أقرّ الهدف.
وأمّا مارادونا وبكلّ ذكاء ودهاء وحال دخول الكرة الشّباك راح يركض محتفلاً بالهدف، وهو يعلم أنّه سجّله بيده!
هذه اللّقطة التّي سجّل فيها اللّاعب هدفاً بيده دون أن يلغيه الحكم، أصبحت أشهر لقطة في تاريخ كرة القدم ومصدراً لأغاني ولمسرحيّات في الأرجنتين، ولا يزال هدف «مارادونا» ذاك عالقاً في أذهان عشّاق كرة القدم وتحديداً الجماهير الإنجليزية، التّي بقيت تجترّ مرارته بالرغم من مرور32عاماً على تسجيله.
والغريب أنّ هناك إلى اليوم من يدافع عن الهدف ذاك بحجّة: «من له حيلة فليحتال! »، أمّا مارادونا فإنّه يكرّر الجواب نفسه عندما يسأل عن حقيقة الهدف قائلاً: «إنّه هديّة من الله».

هدف القرن

بعد الهدف الأوّل بثلاث دقائق فقط انطلق مارادونا كالسّهم من منتصف الملعب تجاه المرمى الإنجليزي وفجّر كلّ موهبته وإبداعه مراوغاً 6 لاعبين متلاعباً بهم جميعاً، وتوغّل داخل المنطقة منفرداً بالحارس الشّهير «بيتر شيلتون» فراوغه هو أيضاً، وسجّل بكلّ ثقة هدفاً رائعاً، وصفه الكثيرون بالهدف الأسطوري، ودخل به دييغو مارادونا التّاريخ وبقي حديث النّاس إلى اليوم.
انتهت المباراة تلك بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد وعاشت الأرجنتين يوماً مجنوناً، وبعد سبعة أيّام فازت الأرجنتين بكأس العالم13 بانتصارها على ألمانيا (3 -2) ورفع مارادونا الكأس الثّاني والأخير لحد اليوم بعد لقب 1978 بالأراضي الأرجنتينية..

ما بعد المباراة:

أثار هدف مارادونا المسجّل بيده زوبعة وسيلاً من التعليقات وأسال حبراً كثيراً، وانهالت السّياط على الحكم التّونسي أكثر ممّا انهالت على اللّاعب، وقد عاد علي بن ناصر يومها إلى الفندق تحت وابل من الشّتيمة من المناصرين الإنجليز ولكنّه تمسّك بموقفه بأنّه لم ير اليد.
وأثناء التعليق المباشر على المباراة صاح المذيع الفرنسي الشّهير تيري رولان (توفّي عام 2012 في سنّ74 عاما): «ألم يجدوا غير هذا الحكم التّونسي لإدارة هذه المباراة الهامّة؟»، وكادت هذه الجملة المحمّلة بعنصريّة واضحة تسبّب أزمة ديبلوماسيّة بين فرنسا وتونس، التّي احتجّت، وقد ردّ عليه المرحوم الهادي المبروك سفير تونس بفرنسا ردّاً قويّا.

الغشّاش السّارق
وانهالت الصّحف الإنجليزيّة سبّاً وشتماً لمارادونا بوصفه بـ«الغشّاش والسّارق»، وشنّوا عليه حرباً ضروساً، ولكن مارادونا وفي كتاب أصدره عام2016 تحت عنوان «حقيقتي» قال إنّه لم يندم أبداً على ذاك الهدف.
والملفت أنّ مارادونا أصبح اليوم مدافعاً بقوّة عن قرار الاتّحاد الدّولي لكرة القدم «الفيفا» بالسّماح للحكّام باستخدام تقنية الفيديو في مونديال روسيا 2018في الحالات القابلة للشك المرتبطة خاصة بالأهداف وبقرارات منح ركلات الجزاء والبطاقات الحمراء، وهي الطريقة التّي تضمن الشفافيّة والحق ولو تمّ تطبيقها في المباراة بين الأرجنتين وإنجلترا عام 1986لألغى الحكم هدف مارادونا دون تردّد.

جرح لم يندمل

بيتر شلتون حارس مرمى المنتخب الإنجليزي، والذي يعتبر أفضل حارس مرمى في تاريخ انجلترا بقي إلى اليوم يجترّ مرارة الهدف الذي سجّله له دييغو مارادونا بيده، فقد شارك في 125 مقابلة دوليّة خاضها مع المنتخب الإنجليزي؛ إلا أن هدف مارادونا هو الذّي بقي عالقاً في ذاكرته كالجرح الذّي لم يندمل، وهو لا يزال إلى اليوم غاضباً ورفض دائما الالتقاء معه في برامج تلفزيونية ووضع شرطاً، وهو ضرورة أن يعتذر مارادونا عن الهدف الذي سجّله له بيده.
يقول: «لا أعرف كيف يمكن لي أن أعفو عنه، فهو لم يقدّم لي اعتذاره أبداً بل إنّه احتفل بالهدف»، مضيفاً: «أنّه أفضل لاعب واجهته، لكنّي لن ألقي عليه التحيّة أو أسلّم عليه».

الأخطاء جزء من لعبة كرة القدم
علي بن ناصر الذّي أصبح بعد تلك المباراة اسماً مكروهاً في إنجلترا، هو اليوم متقاعد في الرّابعة والسّبعين من العمر، وكلّما تمّت إثارة ذكرى الهدف إياه أمامه يكتفي بابتسامة عريضة، محمّلاً البلغاري كريستوف دوشيف مراقب الخط المسؤوليّة لعدم انتباهه ليد اللاعب الأرجنتيني، وكان في موقع مناسب للملاحظة.
يتذكّر بن ناصر تلك المقابلة بكلّ تفاصيلها، ويعيد من حين لآخر مشاهدة الهدف مؤكداً أنّه لم يكن في موقع يخوّل له رؤية يد مارادونا، ولذلك أقرّ الهدف الأشهر في تاريخ كأس العالم مؤكّداً أنّ لجنة الحكّام بـ«الفيفا» منحته عدد 9فاصل 4 على10 على تلك المباراة، مضيفاً أنّ ارتكاب الأخطاء هو جزء من لعبة كرة القدم.

ماذا قال مارادونا لعلي بن ناصر بعد29 عاماً؟

في شهر أغسطس سنة 2015، وبعد 29 عاماً من تاريخ المباراة جاء دييغو مارادونا إلى تونس لتصوير إعلان إشهاري، واغتنم الفرصة لزيارة الحكم علي بن ناصر في بيته، وهو أوّل لقاء بينهما بعد مباراة كأس العالم.
يتحدّث علي بن ناصر عن ذلك اللّقاء قائلاً: «لمّا دخل مارادونا بيتي أخذ يقبّلني بحرارة، ودار الحديث بيننا بحضور مترجم عن الهدف الثّاني الذّي سجّله بمهارة فائقة، واعترف لي بالجميل لكوني منحته الفرصة لمواصلة الهجمة، ولم أقطعها مثلما ينصّ القانون على ذلك، وهو ما سمح له بتسجيل الهدف الذي يعتبره كثير من النقاد الرياضيين الأجمل في تاريخ كرة القدم»، وهو يرى أنّه ساهم بشكل كبير في ذلك الهدف عبر إتاحته الاستمرار في اللعب رغم تعرّض مارادونا لثلاثة أخطاء صريحة من اللاعبين الإنجليز ولم يطلق صفارته، وتركه يتمم هجمته مثلما يسمح له قانون اللعبة بذلك.
فعلي بن ناصر كان قاب قوسين أو أدنى من إفساد الهدف الأشهر في العالم بإعلان مخالفة لفائدة مارادونا، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة. ولم يكشف علي بن ناصر عمّا دار بينه وبين اللاعب الشّهير حول الهدف المسجّل باليد وبقي الحديث عنه سراً بينهما.

أهدى مارادونا في ذلك اللّقاء قميص منتخب الأرجنتين لعلي بن ناصر ودوّن عليه للذّكرى كلمة جاء فيها: «إلى صديقي الأزلي علي»، في حين أهداه الحكم التّونسي صورة كانت معلّقة في منزله التقطت عند بداية المباراة.
مارادونا حطّم حياتي.
أمّا مراقب الخط بوغدان دوشيف، وهو من بلغاريا فقد أكّد حتّى اليوم الأخير في حياته (توفّي العام الماضي) أنّه لم ير أيّ يد تدخلت بإحراز مارادونا الهدف المثير للجدل، وقال. و«لا أحبّ الحديث عن «يد مارادونا» لأني كنت على الدوام نزيهاً، أياً كانت الأقوال التي تناولتني» وأعلن في مناسبة أخرى: «مارادونا حطّم حياتي وعرّضني للاتّهامات وأنا لم أكن مذنباً» مضيفاً: «هو لاعب كرة قدم رائع ولكنه إنسان صغير». وقد كانت المباراة بين الأرجنتين وإنجلترا الأخيرة في مسيرته الدوليّة.

لوحة تذكاريّة.
على ملعب «أزتيكا» بمكسيكو الذّي جرت به المباراة الشّهيرة بين إنجلترا والأرجنتين والتّي شهدت الهدفين لدييغو مارادونا تمّ وضع لوحة تذكاريّة لتخليد إنجاز اللاعب الأسطورة. وكتب على اللوحة:
»ملعب الازتيك يكرّم دييغو مارادونا على الهدف الاستثنائي الذّي سجّله في مباراة الأرجنتين وإنجلترا، والذّي بفضله تأهّل الأرجنتينيّون إلى نصف النهائي».
والملفت أنّ اللّوحة لم تحدّد أيّ هدف من الهدفين الاثنين اللّذين سجّلهما مارادونا يومها هو المقصود؟!

بين الجد والهزل
إلى اليوم لم ينس الإنجليز الهدف إياه وظلوا يجترون مرارته ويصفونه دائماً بأنه أكبر عملية غش، ولم يطووا صفحته أبداً، وخلال حفل عمليّة سحب القرعة النهائية لكاس العالم 2018 والتي جرت بقصر الكرملين بموسكو في شهر ديسمبر الماضي والذّي شارك فيه ثمانية لاعبين من أساطير اللعبة توجت بلادهم سابقاً بكاس العالم حصلت حادثة محرجة:
فالمهاجم الإنجليزي غاري لينكير (56عاماً) الذي كان ضمن منتخب إنجلترا في مونديال المكسيك عام 1986 وشارك في المباراة الشهيرة ضد الأرجنتين كان حاضراً ومكلفاً بتقديم الحفل بالاشتراك مع صحفيّة رياضيّة روسيّة، وكان مارادونا مدعوّاً هو أيضاً؛ ليشارك في عمليّة القرعة، وعندما سحب بيده إحدى كور القرعة فكانت بداخلها ورقة بها: «إنجلترا»؛ لتكون ضمن المجموعة السّابعة التّي بها بنما، وبلجيكا وتونس.
إذ ذاك لم يتمالك اللاعب الإنجليزي لينكر نفسه، وقال بين الجد والهزل متعمداً إحراج مارادونا أمام الجميع «إن مارادونا كان دائماً موهوباً بيده»!.

أهداف أخرى
إذا كان هدف مارادونا الذّي سجّله بيده ضد الأرجنتين هو الهدف الأشهر، فإنّ هناك أهدافاً أخرى سجّلها لاعبون آخرون بأيديهم ولم يلغها الحكّام.
فالنجم الشهير الأرجنتيني ليونال ميسي كرّر عام 2007 نفس سيناريو هدف ابن بلده مارادونا في مباراة في الدوري الإسباني بين نادي برشلونة الذي يلعب في صفوفه وبين فريق «اسبانيول» عندما قفز وأسكن الكرة بيده في المرمى.
*هدف اللاعب رؤول روياز من منتخب «البيرو» سجّله يوم 13 يونيو2016 بيده في مرمى المنتخب البرازيلي في مباراة مصيريّة للترشّح لنهائي كأس أمركا اللاتينيّة، وكان ذاك الهدف سبباً في مغادرة البرازيل المنافسة.
*كما سجّل اللاعب الإسباني رؤول غونزاليس هدفاً بيده لفائدة فريقه «ريال مدريد» في مرمى حارس فريق «ليدز يونايتد» الإنجليزي في بطولة دوري أبطال أوروبا عام 2001.
*عام 2009 سجّل اللاعب الفرنسي تيري هنري هدفاً بيده في تصفيات كأس العالم بجنوب إفريقيا في مرمى منتخب أيرلندا، وهو هدف أقره الحكم السويدي مارتن هنسن وتأهّل المنتخب الفرنسي للمونديال.
*ومن آخر الأهداف التّي تمّ تسجيلها باليد هو المسجّل في شهر فبراير 2017 في الدوري الإنجليزي عندما أسكن المهاجم إلكسي سانشاز (29 عاماً)، وهو من الشيلي، في الدقيقة 33هدفاً بيده ضد نادي «هال سيتي» وأقر الحكم مارك كلاتنبرغ الهدف.
وأثار الهدف جدلاً واسعاً لمعرفة إن كانت الحركة من اليد نحو الكرة، أم أنّ الحركة هي من الكرة إلى اليد؟!