فتاة تونسية تتحدى إعاقتها وتجري امتحان الباكالوريا بالكتابة بفمها

اليوم الأول لامتحان الباكالوريا رنيم تحظى بتشجيع المشرفين على الامتحان
رنيم تكتب بفمها أثناء إجراء امتحان الباكالوريا
رنيم
رنيم
5 صور

نقلت الصحفية نعيمة العويشاوي من وكالة تونس إفريقيا للأنباء قصّة إنسانيّة مؤثّرة لفتاة تونسية تحدت إعاقتها، وأجرت هذه الأيام امتحان الباكالوريا (الثانوية العامة) بالكتابة بفمها، وقد التقت بها وأجرت عنها التحقيق التّالي:
تسلمت ورقة الامتحان بابتسامة عريضة، قرأت الأسئلة بتركيز ظاهر، ثم انحنت إلى الطاولة؛ لتمسك قلم الحبر بفمها وتبدأ الكتابة بخط جميل. مشهد انحبست له الأنفاس في معهد «ابن عرفة» بمدينة «الجديدة «من ولاية» «منّوبة» (المتاخمة لتونس)، في أول أيام امتحان الدورة الرئيسية لمناظرة الباكالوريا، وخشعت له الأبصار إجلالاً لعزيمة هذه المترشحة رنيم السهيلي «باكالوريا آداب» واحتراماً لإرادتها القوية التي هزمت الإعاقة وقالت «لا» للمستحيل.

تلميذة مجتهدة
رنيم التي ابتليت بإعاقة جعلتها عاجزة عن تحريك يديها وساقيها لم تستسلم لواقعها، واستطاعت في سن صغيرة جداً، أن تكتشف بداخلها قوة خفية فكان فمها بديلاً ليديها، وأثبتت القدرة على استعماله سواء للكتابة أو الرسم أو ممارسة ألعاب الفيديو واستعمال الهاتف الجوال؛ لتتحول في معهدها إلى نموذج للتلميذة المجتهدة والمكافحة التي لا يعرف اليأس إلى قلبها سبيلاً.

أمّ حنونة

طريق رنيم التي لا تفارق الابتسامة وجهها الجميل لم تكن مفروشة بالورود، فقد عانت طيلة فترة الدراسة الابتدائية والثانوية من مشكلة التنقل واستعمال الكرسي المتحرك وضعف الإمكانيات، لكنها وجدت في والدتها خير سند؛ إذ رافقتها كظلها ووفرت لها كل أسباب النجاح، وزرعت في نفسها الثقة بالنفس والتحدي والصبر، وهوّنت عليها مسيرتها رغم قلة الإمكانيات، ما مكنها من التغلب على إعاقتها وتحويلها إلى طاقة وإرادة جبارة. وتعترف رنيم بفضل أمها عليها؛ إذ تقول إنها نجحت في إعانتها على تحويل الألم إلى أمل، فلم تيأس، ولم تسمح لأي عائق بأن يعرقل طموحاتها. ولم يغب عنها أن توجه شكرها أيضاً إلى والدها، وهو سائق بشركة، وإلى شقيقتيها، وتضيف أن الباكالوريا ليست إلا مرحلة ستجتازها، وأن النجاح الذي وضعته نصب عينيها، وخارطة طريق التميز التي رسمتها لنفسها لن تحيد عنها بكل همة وإرادة.

تكريم وتشجيع

أوضحت الأم سعيدة البرقاوي وهي سيدة بيت، أن موهبة ابنتها رنيم أذهلت كل المحيطين بها منذ التحاقها بالروضة، فقد أتقنت الكتابة، وكانت ذكية وبارعة في كل ما تقوم به. وتقول إنها اكتشفت موهبتها تلك وهي صغيرة جداً، وإنها وبحكم حرصها على تلقين بناتها الثلاث الكتابة والرسم وأنشطة البراعة اليدوية قامت بتدريب رنيم على استعمال فمها بديلاً عن يديها، وذلك انطلاقاً من تجربة معاق شاهدته على شاشة التلفزة. وقد تجاوبت الطفلة الصغيرة مع هذا الأمر وأصبحت ماهرة في استعمال فمها في الكتابة والرسم والأشغال اليدوية.

تضيف الوالدة بنبرة فخر: اجتازت رنيم مناظرة الرابعة أساسي بتفوق، وحظيت في كل المناسبات بالتكريم والتشجيع، ثم واصلت دراستها الإعدادية والثانوية، محطمة، بإرادة من حديد، كل القيود وأثبتت أن الإعاقة هي إعاقة العقل، وحظيت في كل مسارها الدراسي بثقة أساتذتها الذين ساهموا بدورهم في تشجيعها وفي حثها على المضي قدماً في طريق النجاح.

وقالت أم رنيم إن أسوأ ما مرت به ابنتها المهووسة بالفن التشكيلي والرسم هو تعطب كرسيها المتحرك في السنتين الأولى والثانية ثانوي؛ إذ ظلت أشهراً بلا كرسي وعجزت عن الالتحاق بدراستها، وقد حصلت على كرسي من فرنسا بفضل بعض الأقارب بعد أن همشت مصالح الشؤون الاجتماعية طلبها، على حد قولها، وعادت إثر ذلك إلى الدراسة بعزيمة أقوى.

واليوم وبقدر حرص أم رنيم على نجاح ابنتها في امتحان الباكالوريا؛ إلا أنها متخوفة من الصعوبات التي قد تعترضها خاصة في مجال التنقل، وهو ما يحرمها الآن من الترويح عن النفس، ومن مغادرة منطقة «الجديدة» في ظل عدم توفر وسائل نقل عمومي خاصة بحاملي الإعاقة، وعدم تأهيل المؤسسات الجامعية لأصحاب الإعاقات الحركية، معربة عن الأمل في أن تتوفر لابنتها الظروف المناسبة للنجاح، وأن تنهي دراستها الجامعية، وتحقق حلمها بالتخرج من إحدى الجامعات التونسية.