اختر البداية التي تخلقك من جديد

سلمى الجابري

البداية التي نستبق أحداثها، والتي نسعى بأن نعيشها بشكلها الكامل، لن تكون سوى محض ورطة ستلتصق بذاكرتنا للأمد.
ثمة بدايات تأتي من أقصى النهاية حتى تجبر القلب المكلوم، حتى ترتبنا من جديد بصورةٍ مختلفة، بهيئةٍ لم تكن هيئتنا من قبل، لكنها باتت كذلك.
ثمة بدايات تأتي حتى تؤكد لنا مدى فداحة عجزنا، وكيف آلّ حالنا عن ذي قبل، وهذه البدايات الجارحة في حضورها، ما هي إلا ندبة تنتصف الصدر بألفِ غصة وآه.
ثمة بدايات تأتي بنشيجها المكتوم، وبخشوعِ صلاتها حتى تبكي معنا وعلينا، حتى تجعل الحزن طيّعًا، وحتى تنهمر منّا دمعة رضا بجزيل السلام، وتلك البداية ما هي إلّا البداية المشتهاة، البداية التي نتمنى جاهدين أن نتقاطع معها ذات كدر، حتى نتخفف من ثقلنا العاطفي بروحٍ تواقة لملامسة عنان السماء.
كل تلك البدايات المختلفة في ماهيّتها، والمتشابهة في أسبابِ قدومها، تعني لنا الكثير، سواءً كان سبب قدومها خيرٌ لنا أو شر، ففي النهاية هي تخصنا نحن بالتحديد، ونحن من سنختار البداية التي تناسب مقاس وجعنا، ومقاس النهاية التي نود محاصرتها عند أقصى نقطة من الخيبة والنسيان أو الحياة.
فأنا اخترت البداية التي أنتهي منها وأولد، اخترت أن أمضي فيها على مضض، أن أجعل الباب مواربًا للهرب وللاختباء، أو كي أشرّعه على مصراعيه حتى أغني، وأرقص دون قيدٍ يؤطرني بين مشهدٍ لا أود العيش فيه إلّا بنية الاحتضار.
من السهل أن نحلم ببدايتنا المختلفة في قدومها، لكن من الصعب التنبؤ بها.