أنا من أحتاج لهم

أميمة عبد العزيز زاهد

 

تعجبت، كيف مرّ بي الزمن، وكيف سارعت السنوات في خطاها دون أن أشعر بمرورها! واسترجعت شريط حياتي لأعرف ما الذي حققته في رحلة كفاحي، التي كنت أراها طويلة، ولكني الآن اكتشفت كم كانت الرحلة أقصر مما كنت أتوقع؛ ففي لحظة انزويت أفكر بها مع نفسي، استرجعت خلالها رحلتي مع أبنائي، وتذكرت كم كنت أشعر أحيانًا بأنهم مقيدون بي وأنا مقيدة بهم، وواجبي يحتم علي أن أقوم بدور الأم والأب معًا، كنت أنتظر أن يجري العمر سريعًا لكي يكبروا وأرتاح من ثقل المسئولية، تذكرت سهري وانشغالي؛ فكل تفكيري كان محصورًا في دائرتهم، وتذكرت كم تألمت لمرضهم، وكم تعبت من تعبهم، وكم بكيت لبكائهم، وكم فرحت لسعادتهم، وكم سررت لنجاحهم، وكم أرهقت من المشاكل ومن الشكوى والتذمر والتمرد التى كانت تستنزف جهدي وأعصابي، كنت أصارع الظروف وتصارعني، وأحارب المعاناة وتحاربني حتى أتمكن من تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم، مضى العمر بي دون أن أشعر؛ فقد كنت أعيش على أمل واحد، أن أُحسن تربيتهم وتوجيههم، وأن أدعمهم وأشجعهم لأرى نجاحهم وتفوقهم، كنت معهم القلب الحنون والعين الناظرة والعقل المدبر في كل مراحل نموهم، وتحولوا أمامي خطوة بخطوة بفضل من الله إلى شباب، وفي عز إرهاقي بثقل المسئولية الملقاة على عاتقي، كنت أتذكر بين لحظة وأخرى أني بشر ولست آلة.. أنثى وليس جمادًا، وبشكل أو بآخر رضيت أم لم أرضَ، كان يعيشني الإحساس بالوحدة، وينتابني إحساس بالغربة الداخلية، ويجتاحني الفراغ العاطفي لحظات، تؤرقني فيها مشاعر أنوثتي، حتى وأنا مقتنعة وراضية بما قسمه لي رب العباد، كان إحساس الوحدة يحيط بي، وكنت أسأل نفسي: ترى متى سأعيش حياتي، وكنت أقول لنفسي إنهم قد كبروا ولم يعودوا في حاجة لرعايتي، ترى هل سيوازي الحصاد ما تعبت سنوات في زرعه؟ وهل سيشعرون بي كما كنت أشعر بهم؟ هل سيضحون من أجلي كما ضحيت من أجلهم؟ هل سيملأون حياتي كما ملأت حياتهم؟ هل سيمسحون دمعي كما مسحت دموعهم؟ هل سيحتوونني كما احتويتهم؟ كل تلك المعاني أشغلت فكري وأنا أتأملهم بعد أن بدأ كل منهم يشق طريقه ويبني مستقبله ويبدأ حياته الخاصة بعيدًا عني؛ فبعد أن كانوا كل حياتي، أصبحت أنا جزءًا من حياتهم، وبعد أن شاركتهم في تفاصيل حياتهم، هم الآن مشغلون بحياة أخرى، أعلم أنها سنة الحياة، ولكن الآن أنا التي أحتاجهم.. أحتاج وجودهم بجانبي.. فأنا أحس وأعرف ما يزعجهم وما يسعدهم وما يفكرون به، أشعر بما في أعماقهم من نظرة عيونهم، أعرف من يقف وراء بابي من خطواتهم، وتغمرني السعادة عندما يجتمعون حولي، وأشعر بأن حياتي أثمرت، وأن تضحيتي لم تذهب سدًى، ويتلبسني الفخر والزهو عندما يتسابقون لإرضائي ويتفننون بإسعادي ويبذلون كل جهدهم لتعويضي، ويفتخرون دومًا بأني كنت الدافع والسند والحماية، بعد الله، لهم.. نعم، إن الفضل كله لله؛ فقد وهبني هذه النعمة؛ فهم أحلى ما في عالمي، إنهم امتداد لي وأهم إنجاز حققته في حياتي؛ فكل ما في العالم يمكن أن أعوضه إلا مشاعر أمومتي ليس لها بديل