تطور الحفر على الخشب

إتقان وإبداع في العمل
الفنان الروسي سيرجي بوبكوف
صورة عجوز نحتت على جذع شجرة
منحوتة خشبية لبومة
استخدام النحت على الخشب في الأثاث
حيوانات منحوتة على الخشب
أدوات النحت القديمة
8 صور

منذ قديم الأزل سخر الإنسان كل عناصر الطبيعة لخدمة مصالحه، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياته، ولعل تحويل هذه العناصر إلى عمل جمالي، أو تحفة فنية هو ما أعطى قيمة معنوية ومادية لكل عنصر ومورد في هذه الأرض الشاسعة.

ويعتبر الخشب من الموارد التي استطاع الإنسان تسخيرها حسب حاجاته ورغباته؛ حيث حولت أنامله المبدعة، وروحه الحالمة هذه القطعة الجامدة إلى أخرى تنبض جمالًا، وتشعّ حياةً، وتتألقّ سحرًا؛ وذلك من خلال الحفر والنقش عليها، ويعتبر الحفر على الخشب من أقدم الفنون الجميلة في التاريخ، فقد بدأ به الإنسان منذ العصور القديمة، وزين به المعابد الفرعونية والرومانية والإغريقية والسومرية، ومن أشهر البلدان التي تشتهر في العصر الحديث بهذا الفن إيطاليا، وقبرص، ودمشق. وتتميز مدينة دمياط عن غيرها من المدن؛ حيث إنّ معظم السكان يعملون بهذه الحرفة كجزء من حرفة النجارة. كما زين العثمانيون الأبنية المختلفة بالأجزاء الخشبية سواء أكانت حفرًا على الخشب أو نقشًا عليه، وظهر ذلك جليًّا على منابر المساجد، والصناديق، وحوامل المصاحف، وصناديق الملابس، والخزائن، والكراسي.

ويتطلب الحفر على الخشب حرفية عالية، إضافة إلى مخيلة واسعة لنحت ما هو مميز فيجعل المنحوتات كأنها لوحات مرسومة بأنامل فنان متقن.

أدوات الحفر القديمة:


استخدم الإنسان قديمًا في عملية النحت المطرقة الخشبية، والأزميل بكافة مقاساته، والمشرط، والمبرد، وأدوات التنعيم.
أدوات الحفر الحديثة:
تطورت أدوات الحفر حديثًا، فأصبح الإنسان يستخدم أدوات كهربائية للحفر على الخشب مما وفر عليه الوقت والجهد. كما ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأدوات النصف آلية والآلية، مثل: ماكينة الأويما، والتخبيط، والراوتر، والماكينة التي تعمل بالكمبيوتر.

مراحل تطور الحفر على الخشب:


الحفر على الخشب تطور على مر العصور، وأصبح يجمع ما بين الغائر والنافر، وكان لكل عصر أسلوبه ونمطه الخاص، فالأسلوب القيصري كان منتشرًا قديمًا أما اليوم فقلّ استخدامه، أما الأسلوب العربي فقد تأثر بالفن البيزنطي والساساني، ويتضح ذلك في الحشوات الخشبية التي عثر عليها في المسجد الأقصى، ويقوم على أشكال هندسية مضفورة، ولعله كان أسلوب الأمويين عند بنائهم للمساجد والبيوت.
وعندما جاء العصر العباسي ظلّ محافظًا على ذات الأسلوب الأموي إلا أنهم طوروا أسلوبًا جديدًا على يد المسلمين في العراق سموه بـ"طراز سامراء الثالث". واعتمد العباسيون في أسلوبهم على بساطة البناء وجمال التكوين وسرعة التنفيذ. وغالبًا ما تتخذ نقوشهم شكل اللوزة، وتتخللها زخارف نباتية بسيطة تصطف بانتظام طولي أو دائري حسب قطعة الخشب.
وفي عهد الأيوبيين قاموا بزيادة عدد الوحدات الزخرفية المنفذة على التحفة، وتتميز بظهور خط النسخ مع الخط الكوفي، وخلت منحوتاتهم من صور الحيوانات.

أما الفاطميون فقد حدث تطور كبير في أسلوبهم؛ حيث أصبحت الزخارف منفذة بشكل أكثر انسيابية ومعظمها يعتمد على الأوراق النباتية المتموجة. وعندما جاء عصر الأيوبيين قام الفنانون في عهد نور الدين بإضافة أشكال بسيطة كالأعمدة الخشبية المحفورة بشكل حلزوني. إلا أنّ صناعة التحف الخشبية تطورت تطورًا كبيرًا في العصر المملوكي؛ لما شهدته هذه الفترة من ازدهار للنشاط العمراني فكان لابد من الاهتمام بالتحف الخشبية لتكملة ما تحتاج إليه المنشآت من شبابيك وأبواب ومشربيات، وكذلك ما تحتاجه المساجد من كراسٍ وصناديق المصاحف والمنابر والمحاريب والأسقف. لذلك قام النجارون بتطوير أساليب الصناعة والزخرفة، وكذلك تطوير الوحدات الزخرفية مثل: الطبق النجمي الذي بلغ ذروة ازدهاره في ذلك العصر، وكذلك من أشهر الوحدات الزخرفية "الحشوات المجمعة" وبرعوا في تطعيمها بالعاج والصدف.

والحفر على الخشب ليس نوعًا واحدًا بل له عدة أنواع، منها الحفر المسطح والذي يشمل:

1/ التخريم والتخريق؛ حيث يقوم الحرفي بتفريغ الخشب على شكل لوحات مختلفة تمثل رسومًا لنباتات وأزهار معينة، أو حيوانات وطيور، أو آيات وحكم، يُعنى بصناعتها لدرجة كبيرة الأمر الذي يضفي على منتجاته مظهرًا من الدقة يشد النظر ويبهره.
2/ الخراطة الخشبية، وتعتمد هذه الحرفة على مقدرة الصانع في حسن تكييفه للقطع الخشبية بوساطة مخرطة يدوية فينتج بذلك قوالب المعجنات، وأحجار النرد، والشطرنج، وهياكل الكراسي الخشبية، وقد تحولت إلى الإنتاج الآلي مؤخرًا.
3/ التطعيم ويعتمد على إبراز التناظر في الأشكال المرسومة بتطعيم الخشب بمواد متعددة كالصدف، والعظم، والقصدير، والنحاس، وحتى الفضة، وذلك بحفر خطوط دقيقة تمثل الرسوم المطلوبة، ثم تملأ بالمادة المطلوبة، وينتج الحرفيون بهذه الطريقة علب الموزاييك، وصناديق المجوهرات، والمكاتب الفخمة، والطاولات، والكراسي، وإطارات الصور.
4/ التنزيل على الخشب، وقد اقتبست عن أعمال الموزاييك في العصر البيزنطي، وتختلف عن فن الحفر، ويمكن تنزيل الخشب -كخشب الليمون والنارنج والورد- أو العظم أو الصدف بألوان مغايرة للون الخشب المحفور، فتظهر الزخارف الهندسية الدقيقة والكتابات المخطوطة في المادة العظمية المخرّقة أو المادة الصدفية بمظهر جميل ساحر.

أما النوع الثاني للحفر على الخشب فهو الحفر المجسم، ويضم:
1/ الحفر البارز المسطح: وفيه يصل ارتفاع الزخارف المحفورة إلى حوالي 5 ملم ويكثر غالبًا في تصميم الميداليات والحفر الإسلامي .
2/ الحفر البارز المشكّل: وفيه يزيد ارتفاع الزخارف والأشكال المحفورة على الأرضية بأكثر من نصف 0.5 سم ويصل إلى حوالي 7 سم في الحفر الروماني على أن تكون الأرضيات في الشكل جميعها متساوية وبعمق واحد.
3/ الحفر البارز المجسم: وهو كالحفر البارز المشكل ولكنه أكثر بروزًا وعمقًا في الأرضيات التي يجب أن تكون متساوية في عمق واحد أيضًا، وقد تصل فيه ارتفاعات الزخارف المحفورة إلى بروز 25 سم لتعطي تأثيرًا أقوى، ويصلح استخدام هذا النوع من الحفر في الأماكن البعيدة عن النظر، ومعظم موضوعاته من الكائنات الحية .
4/ الحفر المفرغ: وهو الحفر لتشكيلات مفرغة بمنشار الآركت، والمحفورة في الوقت نفسه على أن تتماسك وحداته، ويستعمل في أشغال الإطارات الثمينة .
5/ الحفر الغائر: وفيه تكون الزخارف المحفورة إلى الداخل مع ترك الأرضيات كما هي بدون حفر أو نقش، وقد لجأ قدماء المصريين إلى استخدامها بكثرة في المعابد والمقابر القليلة الضوء لتساعد الظلال على وضوحها ولتعمر طويلًا .
6/ الحفر المجسم: وهو أدق أنواع الحفر، ويشمل الحفر على كتل بقصد تشكيلها وتجسيمها، ويستخدم في النحت وعمل التماثيل.