قالت: سيدي لو كان لي أن أكتب إليك لأجدد عهدًا أو ودًا قديمًا ما كتبت يداي حرفًا، ولا خطّت أناملي كلمةً؛ لأنني لا أعتقد أن عهدًا مثل عهدك يستحق أن أتذكره، أو أندم عليه فأطلب تجديده؛ فأنت تعلم حينما طلبت الانفصال عنك، كان أكثر ما يشغلني هو مصير أبنائي، وقد هددت بأن ذلك ليس من اختصاصي ولا من شأني، وأنك مسئول عنهم، وعليّ ألا أشغل بالي بهم بما أنني قد تركتك، عليّ أن أتركهم وغادرتك وبين جنبيّ نار تضطرم، وما هي إلا أشهر قليلة حتى قررتَ الزواج مرة أخرى، وهذا من كامل حقك، ولكن الذي ليس من حقك هو أن تستنزف مشاعر أبنائك الجريحة وترسم بصمات الحزن على وجوههم، وحتى لا تستنزف عقلك في التفكير تركتهم لي لأتحمل مسئوليتهم وبدأت تصور نفسك بالأب الرحيم وبأنك تحبهم، وما كنت تحب إلا نفسك؛ فأي راحة لأطفال في وجود أب لا يعلم عنهم شيئًا! فقد كنت تتفنن بإظاهر الحب والرحمة أمام الآخرين حتى لا يلوموك، ونسيت أن الله وحده سبحانه يعلم ما في الصدور، ياسيدي إن حقوق الآخرين‏ لا تسقط بالتقادم‏,، مهما قدم العهد بها،‏ ومهما مر الزمن، ومرت بنا السنوات وأنجبت خلالها ضحايا آخرين، ولكنهم كانوا أوفر حظًا؛ فقد نالوا كل اهتمامك وحظوا بكل حنانك، وفرقت بينهم وبين أبنائي في المعاملة، ولم تراعِ الله فيهم، وأصبحت أنا بالنسبة لهم بمثابة الأم والأب، وبطبيعة الحال كنتُ قد تخليتُ عن طموحاتي وذابت أحلامي من أجل تربيتهم، وتفانيت في خدمتهم ورعايتهم، وقدمت تضحيات في حين كنت أتلقى صفعات متتالية منك، وكلما كان يناقشك من حولك بضرورة الاهتمام بهم ورعايتهم والسؤال عليهم، كنت تستقبل كلامهم ببرود شديد ولامبالاة، وتتطلب منهم أن يخبروني بأن عليّ التعايش مع الأمر الواقع، وأن أستمر في تحمل مسئوليتهم، لحظتها تخيلت بأنك لو أفقت فرضًا من غفوتك، وأن ضميرك عادت له الحياة واستيقظ وقام بمحاسبتك؛ فلا أظن أن لحظة ندمك وطلبك السماح سيكون لها صدى؛ فمن الذي سيدفع لي ولهم ثمن الحرمان؟ ومن سيعوضني ويعوضهم ما مر بنا من تعاسة كنت أنت سببها؟ وكيف تستطيع سداد ديونك المتراكمة حيالي وحيالهم؟ فالتفرقة والإهمال والقسوة على من كنت سبب وجودهم في هذه الحياة، جريمة لا يعاقب عليها القانون، ولكن بداية يحاسب عليها الضمير، ويفسد حياة من له إحساس؛ فهل فكرت في أية محنة مرت بهم؟ هذا لو كنت أصلاً تعلمها؟ هل أسرعت يومًا ليرتمي أحدهم في حضنك.. حضنك الذي لا يعرفونه أو يذكرونه، هل سألتهم يومًا عن الذي ينقصهم؟ هل وهل، كثير من علامات الاستفهام التي لا أجد ردًا عليها سوى أن أقول، إن اختلال ميزان القيم في المجتمع، أدى إلى انتشار قيم الأنانية والسلبية واللامبالاة، هذه القيم هي التي تجعل رجلاً يرتضي على نفسه أن تنفق على أبنائه امرأة.