أبحث عن دلالات البقاء

سلمى الجابري

أبحث مطولًا في صدق، الأشياء التي أحبها، الأشياء التي تعني لي كثيرًا، والتي أنتمي لها، أبحث عن حقيقتها المؤكدة، وعن ثباتها الذي أخشى بأنه قد مال غفلةً مني، ولا أجدني سوى أني بدأت أكرر ذات الخوف، بذات الاحتراق، وبذات النسق الذي يحمل ثقل هذا العالم في جوفه ويسقط خائرًا بعجزهِ.
أبحث عني في خانة الأشياء المنسية، تلك الخانة التي أخرسها غبار الانتظار؛ فما عادت تلوّح للمارة بأنها مازالت على قيد الحياة، وبأنها باقية رغمًا عن موتها المتتابع، أبحث عني خشية أن أفقدني، ولا أجدني إلا في أقصى الذاكرة القديمة، هناك حيث بدأ كل شيء بالاندثارِ والتلاشي.
أبحث عن عقدتي الأولى، عن فشلي البكر، عن العزاء الذي دفعني للحياة فلم أسقط.
أبحث عن دلالات البقاء، عن العهد الذي لم تكتمل ملامحه بعد، عن دهشة الكذبة القديمة، أبحث عن الموت في كل مرّة أحيا فيها بوجعٍ مغاير، أبحثُ عن بذرة الضوء التي تنتمي لعدميّتي، وأنتمي أنا لتوهجها، أبحث عن الانعتاق والخلاص الأخير من شرِ الأفكار الفارقة بالحياة.
لم أكن أبحث في الحقيقة إلا عن جسرٍ ينقلني نحو الضفة الأخرى، تلك الضفة التي ينطفئ فيها الضوء؛ فتموت اللحظة أكثر من عمرها، ثم يصفق الجميع على وقع الخيبة المتوقعة؛ فأبتسم أنا على شناعة هذا الوجع؛ فأنا أدرك جيدًا أن هذه الفوضى التي أحملها نحو البعيد، تجيد إيلامي، كما تجيد إلهامي.
أين ذاك السكون الذي يخلقنا من ضعفنا بقوةٍ نجهل ماهيّتها؟ أين ذاك الصوت الذي يقف على حافة الشعور بفرحٍ مضاد؟ أين هم عن تمرّدنا، عن هذه الطفرّة التي توشك أن تفصلنا عن إنسانيتنا؟ أين ذاك الحب المحشوّ بالهراء عنّا؟