لماذا 
نكررنا بشكلٍ مؤسف؟

سلمى الجابري

 

إلى أي مدى قد يكون صمتنا زائدًا على الحاجة؟ هل عندما تتهشم كل الصور بداخلنا للحد الذي يخرسنا فيه الألم من شدة الخيبة؟ أو إلى أي حد قد نختنق بصمتنا بنشيجٍ مكتوم، وكل هذا العالم ينطفئ في أعيننا شيئًا فشيئًا؟

نحتاج، نشتكي، نحِنّ، نبكي، نرتاب، ننتظر، نختفي، نترقب، ننساق، نغتاب، نتخبط، نتشابك، نلتقي، نقترب، نضحي، نجن، ننكسر، نهرب، نعود، ثم نكررنا بشكلٍ مؤسف ومؤذٍ للغاية، دون أن نسأم من هذا التتابع اليتيم.

لم نكن لنفوّت صوتًا نحبه للحظة، لم نكن مستعدين بعد أن نضلّ طريقنا، ونحن للتوّ قد بدأنا نحبو نحو البداية.

ماذا عسانا أن نفعل ونحن نتآكل من الداخل؟ بينما كل عويلٍ بشريّ يذكرنا بهزائمنا!

كنتُ أتدفق بين الكلمات المتخدرة بعاطفتها، كي أصل إليك متشبعة جدًا بالحبر، بالعطرِ، بالمطرِ، بالشعرِ، وبجنون البحر، حتى أغرق في قلبك كما أنا دون جدوى.

حان وقت الهروب المفاجئ، انقطاع طارئ، لا أحد يجيب، فراغ شاسع يبعدنا، في لحظة واحدة قد نسرع الخطوات للوراء، نبحث عن اللاشيء لنحتمي به، نسابق الأنفاس، نتحدى الصمت بصمتٍ أكبر، الآن وقد بدأت المسافات تتعاظم، تبني بعضها فوق بعض، لا أحد سيكسرنا من الداخل، لا بدّ أننا قد توحدنا بضعفنا، فقد مدّ العدم جذوره فينا جيدًا، حيث لا يمكنه أن يتغلب علينا إلا ذاتنا، وهذا الانقلاب سيحدث، سيحدث يومًا إن فكك الحب أرواحنا، وعرف من أين يلين القلب ويضعف، حينها فقط سينهار كل شيء، لن نستطيع إنقاذ ما يمكننا إنقاذه إلا بمسيرة ألف وجع وآه.

وأنت هل ستحب رغمًا عن هذا الخراب؟ هل ستبقى صامدًا أمام كل هذه الهزات العاطفيّة دون أن تصيبك الأحكام الغائمة بمقتل؟ دون أن تحقق رغبتك السرية في الهرب بعيدًا، من غير أن تلتفت إلى الوراء وأنت تذرف دمع الذكرى!.