الصداقة الحقيقية

أميمة عبد العزيز زاهد
الصداقة… قضية شائكة متشعبة، تتخذ اتجاهات متعددة، وتتفرع للعديد من الأبعاد، وقد تكون خيراً على صاحبها، أو وبالاً عليه، فالإنسان بطبعة كائن اجتماعي يتفاعل مع الآخرين أخذاً وعطاءً، فالصداقة علاقة مودة ومحبة بين اثنين، تحمل جميع معاني التضحية والصدق والوفاء، وقد وردت كثير من المعاني المرادفة لها؛ كالأخوة، الخِلّ، القرين، الجليس. ومن الضروري أن يكون للإنسان أخ كصديق، أو صديق كأخ، وفي هذه العلاقة ينشد الإنسان الراحة؛ يقول ويشتكي ويطلب الرأي والمشورة والنصيحة، وعندما يطمئن ويستريح إلى هذه العلاقة، تصبح نوعاً من الرباط القوي، لذا نجد أنفسنا دائماً نبحث عن صديق نثق فيه؛ لنفك قيودنا أمامه بلا تحفظ في الكلام أو الأفكار أو التصرفات، فالصديق هو أنت إلا أنه غيرك. فالصداقة بكل ما تحتويه من أخوة ومحبة ومودة… أين نحن منها الآن؟ ولنقف وقفة صدق مع أنفسنا ونسألها؟ من هو هذا الصديق؟ وكيف نختاره؟ وهل أي إنسان جدير بالانتماء إلينا، ليكون هو مرآتنا الصادقة وكاتم أسرارنا، وكأي أمر لابد أن نزنها بميزان ديننا وعقلنا وخلقنا، وأن نقيس في محكم الأمور نفوسنا ونحكمها، فكلنا نثق في المثل القائل: «قل لي من تعاشر، أقل لك من أنت!».. علينا أن نعيد حساباتنا وندقق في اختيار الصديق... فالصداقة ليست بالأمر الهين، أو مجرد علاقة عابرة في حياتنا لا تترك أثراً. لكي نختار أصدقاءنا بمنتهى السهولة، يجب أن تقوم على أسس ومعايير، فيها الصدق والصراحة، على أن تتسم هذه العلاقة بالأبدية، ولا تقتصر على فترة زمنية أو مصلحة مؤقتة وتنتهي بانتهائها، وعلى هذا الأساس كيف يمكننا اختيار الصديق.. فهل نختاره وفق متطلباتنا النفسية؟ أم لأنه مخلص وصادق في مشاعره معنا؟ أم لأن تفكيره قريب من تفكيرنا؟ أم لأننا أعجبنا به؛ لما يتميز به من المكانة الاجتماعية والمنصب الاقتصادي؟ أم لأننا نميل إليه ونرتاح للجلوس معه، بغضّ النظر عمن يكون؟ أم ترى لأننا معه نرتقي بمشاعرنا، وبجلوسنا معه نغذي عقولنا وأرواحنا! فالصداقة تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام، وهذا الشعور الأخوي يولّد في النفس أصدق العواطف الإنسانية في اتخاذ مواقف إيجابية؛ من الإيثار والرحمة والعفو والتعاون والبعد عن كل ما هو سلبي. ويعتبر أثر الصديق على صديقه من أعظم الآثار، وكما يقولون «إن الصاحب ساحب»؛ فهو قد يسحبك للخير أو للشرّ. وقد قال حكيم: «انتفعت بأعدائي أكثر مما انتفعت بأصدقائي؛ لأن أعدائي كانوا يعيرونني بأخطائي فأنتبه لها، أما أصدقائي فكانوا يزينون لي الخطأ!». علينا أن نعي بأن الصداقة رباط مقدس بين من يقدّرون تلك الكلمة الصغيرة في حروفها، والكبيرة في معناها، وأن لها حقوقاً وعليها التزامات، فالصداقة الحقيقية هبة من الله