الفرحة الحزينة

أميمة عبد العزيز زاهد


جلست ذات يوم في مكاني المفضل أمام منظر البحر الرائع، وأمواجه تتلاطم بعنف، وكأنها حزينة على فراق الشمس …

وبدأ الهواء العليل يداعب خيالي، والمكان البديع يستفزني؛ لأكتب شيئاً جديداً ومثيراً يناسب المكان والزمان….

فأمسكت بقلمي وورقتي، فكرت وفكرت ما هو هذا الشيء الجميل الذي سأكتبه؟ فلم أجد مع الأسف ما يناسب هذا الجو الشاعري، فهل أكتب عن السعادة وأين نجدها؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل نبحث عنها بداخلنا أم ننتظر أن تأتينا من الخارج؟ وهل نحن سعداء حقاً ولكن لا نشعر بذلك؟ وهل أُلغي هاجس فكرتي في البحث عنها؟ ولكن ما لي أري أغلب البشر تشتكي وتتذمر من كمية الهموم التي تعترض حياتها؟ الكل متضجر، فأين هي المشكلة؟ وماذا حدث لحياتنا حتى أصابها الملل واللامبالاة والإحباط لأهم حاسة في الكائن الحي؟ هل نفذت القناعة فيما نملك؟ فكل منا لديه مخاوف فشل في إزالتها، ومتاعب عجز عن إبادتها، وبالتالي كيف نتذوق طعم السعادة والقحط يعشش بداخلنا؟


وتذكرت أن الجو الذي أعيشه لا يناسب ما أفكر فيه، فلماذا أتشاءم لحظة سعادتي، وأكتئب ساعة فرحتي؟ ولا أتذوق جمال اللحظة التي أعيشها؟ فما أمّر أن تكون السعادة ممزوجة بالتعاسة، ولماذا أصر للنظر لحياتي من خلال ثقب إبرة؟ وهل حقيقي أن كل إنسان منا لديه ميل غريزي للرثاء لنفسه وظروفه وتعاسته، ودائماً يتذكر ما أخذ منه وينسى ما أخذه؟ وهل يا ترى ما أشعر به هو تأثير هذا الميل الغريزي؟ ربما ….

وإلا ما الذي يستدعي كل ذلك؟ فالحياة جميلة، ولِمَ لا؟ فكل شيء يسير على خير ما يرام، ولا جديد تحت الشمس …

فأنا أقوم بوظائفي المعتادة ضمن جدول تاريخي ثابت، فأنام وأستيقظ في نفس الموعد، وأمارس قراءة نفس نوعية الكتب التي أحب أن أقرأها، وأحادث نفس الأشخاص، وأقابل نفس الوجوه، وتصادفني نفس المشاكل..

وأقوم بعمليات الضرب والطرح والجمع يومياً؛ لأوازن بين الدخل والمنصرف، حتى أحلامي وأمنياتي وأهدافي التي كنت أتمنى أن أحققها منذ أعوام طويلة هي نفسها، لم تزد أو تنقص، ولم تتغير أو تتبدل، ولا زالت محاولتي مستمرة للوصول لتحقيق أي منها، فكل شيء باقٍ كما هو، فلا قديم استُحدث ولا حديث استقدم، ولا تغيير للأفضل أو الأسوأ، لا أطلال لأبكي عليها، ولا ذكرى تجذبني لأقتنصها، ولا حتى فكرة جديدة لأفكر فيها، كم حاولت أن أسعد قلبي ليسعدني، ولكني أتعبته فأتعبني، حاولت أن أفرح لأعيش الحنين مع هذا القلب، ولكني قذفت به وسط الآلام، وما أنا إلا مخلوقة ضمن الملايين غيري …

ويكمن الحـل في المقاومة والالتجاء لله، والثقة في قدرته سبحانه أن يغير الحال لأحسن الأحوال، وفي النهاية وجدت أنه لا يوجد هناك ما أكتبه في هذا الجو الشاعري؛ لذا التزمت الصمت، وتشبعت بالقناعة والرضا، وفضلت الاكتفاء بالنظر للبحر الهادر ذي الطبع الغادر، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.