الهدية

نجاة غفران


تقول زوجتي دائمًا لضيوفنا، الذين يستغربون خلو شقتنا من أحواض النباتات، إنها تزوجت عالم النباتات الوحيد في العالم، الذي أفلح في استثارة هذه الكائنات الحية، وربط اتصال عاطفي معها، وأمام ذهول زوارنا تنفجر ضاحكة، وتتعلق بذراعي بحبّ وتشرح: «النباتات لا تطيقه، كل النباتات، وهذه ردة فعل علمية لا يمكن إنكارها... أليس كذلك حبيبي؟ جربنا كل ما يمكن أن يخطر على البال؛ من زهور وأعشاب عطرية ونباتات متسلقة وأجناس صبار وأشجار يابانية قزمة... تعرفونها... البونساي.. تلك التي يفوق ثمنها ثمن أثاث البيت بأكمله... أهدانا أحد أصدقائه المولعين بزراعتها حوضًا بديعًا به واحدة من أجمل ما رأيت... و... لا شيء... تحاول المخلوقات المسكينة الحفاظ على حياتها بجانبه... لكنها لا تلبث أن تستسلم وتذوي بعد أيام... عجيب... أليس كذلك؟».
يضحك زوارنا بارتياب، ويتساءلون عادة عن مصير شجرة البونساي المكلفة.
«إنها عند أمي... أنقذتها قبل أن تنتحر... وصدقوا أو لا تصدقوا... هي بألف خير...».
أضطر لمجاراة زوجتي وزوارنا مرحهم. وفي الواقع أنا نفسي لا أفهم شيئًا. قضيت سنوات طويلة في دراسة بيولوجيا النباتات، وأعمل في مختبر تابع لإحدى شركات الأدوية الطبيعية، ولا أستطيع الحفاظ على غرساتي حية في بيتي.
زوجتي لا تسخر مني، أعرف ذلك. نحب بعضنا، وخفة ظلها لا تضايقني. بالعكس، طريقة تقديرها للأمور تجنبنا الكثير من المشاحنات التي أتسبب فيها عن غير قصد. أنا واحد من أولئك الأشخاص الفوضويين، الذين ابتلوا بسوء حظ يزيد من تعقيد حياتهم. ربما هي سنوات دراستي الطويلة التي عزلتني عن العالم، ومنعتني من تعلم أبجديات العيش السليم؛ كحسن التصرف، وحلو الكلام، وذكاء توظيف المجاملات الاجتماعية. ودون زوجتي... لا أظن بأنني كنت أستطيع أن أربط علاقات جيدة مع جيراني ومعارفي، وحتى مع رؤسائي في العمل. وقوفها إلى جانبي في كثير من محطات حياتي أمر أقدّره كثيرًا، وإن كنت لا أفلح دائمًا في التعبير عنه بشكل لائق.
اقترب عيد ميلادها، الذي دأبت منذ سنوات على تذكيري به.
هذه المرة قررت أن أفاجئها، وأخذت احتياطاتي اللازمة؛ لكي لا أنسى الاحتفال به.
قمت بتحرياتي الخاصة، وعلمت بأنها تدخر المال لشراء آيفون مكلف للغاية، رأته عند إحدى صديقاتها. اتصلت بموقع الشركة المكلفة بترويجه، واشتريت واحدًا، وطلبت كل لوازمه، وأعطيت الشخص المسؤول عنوان أقرب كشك جرائد إلى البيت؛ لكي أتسلم الهدية وأحتفظ بها حتى ليلة الاحتفال بعيد الميلاد بعد بضعة أيام.
اشتد حماسي للموضوع، وتخيلت ذهول زوجتي وفرحها، وتصورت ردة فعلها التي ستفوق دون شك كل توقعاتي... فهي امرأة فياضة المشاعر، لا ترى حدودًا لأشكال تعبيرها عندما تفور أحاسيسها وتتدفق بهجتها.
لم أستطع أنا نفسي تمالك حماسي، وأسررت لبائع الجرائد وأنا أُعلمه بأنه سيتسلم طردًا باسمي بالمفاجأة التي حضرتها لزوجتي، ولم أُعِر اهتمامًا لولده الصبي، الذي فغر فاه، ووقف ينصت إلينا وعيناه تلمعان. لم أنتبه إليه إلا عندما ارتفع صوته يسأل والده: «وأنت يا بابا... هل ستحضر أيضًا مفاجأة لأمي؟ عيد ميلادها قريب...».
ضحك البائع ونهر ابنه، وانصرفت وأنا أفكر فيما ينتظر شريكة حياتي.
لم تكد تمرّ أيام حتى وجدتها تنتظرني على عتبة الباب ووجهها متهلل.
مدت إليَّ الطرد الذي كنت أنتظره، وقالت: «أنت ميؤوس منك يا حبيبي... حتى المفاجأة لا تعرف كيف تحضرها... ناداني ابن بائع الكشك وأخبرني بأن هدية عيد ميلادي قد وصلت... وناولني هذا الطرد... وقبل أن أفهم ما قاله؛ أخذ يستعرض لي محتوياته ويعلمني بثمن كل منها... أنت مجنون... كل هذا المال؟! لكنني أحبك. تعال هنا...».
هي محقة.
لا أفلح في شيء. لكنني أيضًا أحبها. وأمقت بائع الجرائد، وأنوي ليّ عنقه هو وابنه الثرثار.