تشابه الأرواح

أميمة عبد العزيز زاهد


إن عالم القلوب والأرواح هو عالم آخر، غير تلك العوالم المادية المحددة بقوانين معينة، إنه عالم له قوانينه وسننه الخاصة به، فمشاعر الارتياح والميل نحو شخص ما، أو حتى النفور منه، هي مشاعر تلقائية لا تعرف عند نشوئها التخطيط المسبق، إن من أسرار عالم القلوب والأرواح ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «الأرواح جنود مجندة؛ فما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف» صدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، كيف تكون الأرواح جنوداً مجندة؟ هناك تفسير يقول إن التعارف والتآلف لا يكون إلا بمثل ما نطق به الحديث فإن المتقي يحب المتقي، فإذا رأيت تقياً مثلك لدقائق أو لساعات فإنك ستحبه وتشعر بأنك قد صحبته العمر كله؛ لأنك وجدت في قلبك ميلاً شديداً إلى حبه، وهو يشعر بذلك أيضاً؛ لأنكما اتفقتما على تقوى الله سبحانه وتعالى، وإن التقيت بشخص آخر مظهره أو كلامه فيه ما فيه، ولكنه لم يكن تقياً، فإنك تجد في نفسك النفور منه وربما هو يشعر بذلك أيضاً، ولهذا نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن الأخيار من الصحابة الكرام كانوا يتحابون، رضوان الله تعالى عليهم، وكانت هناك المحبة القوية بين المهاجرين والأنصار، وكانوا يعيشون بتواد وتراحم فيما بينهم، ونجد أن المنافقين كان بعضهم يميل إلى بعض، ويتناجون فيما بينهم بالإثم، إن المؤمن يعرف منهج الله ويتخلق بالفضائل التي أمره الله سبحانه بها، وعنده ورع، وصادق، وأمين، وإن بين المؤمنين من أواصر المحبة ما لا يوصف؛ والسبب لأن نقاط الاشتراك التي في شخصياتهم كثيرة جداً، لذلك الأرواح جنود مجندة وكل منا يميل إلى من هو على شاكلته، وهناك العديد من التفسيرات منها، أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخيِّر من الناس يحن إلى شكله، والشرير يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير أو شر، فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تنافرت، وتفسير آخر يقول بأن الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحاً، لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع، ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها وتنفر من مخالفها، وقد نجد بعض أشخاص النوع الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل فيها الاتفاق والتنافر، وقال العلماء معناه جموع مجتمعة، أو أنواع مختلفة، وأما تعارفها فهو لأمر جعلها الله عليه، وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها، وقيل لأنها خلقت مجتمعة ثم فرقت في أجسادها، فمن وافق بشيمه ألِفه ومن باعده نافره وخالفه، إن تجاذب الأرواح - وليس الأجساد - إذا تجاذبت كان التجاذب حقيقياً، أما تجاذب الأجساد فهو تجاذب مزيف ووقتي، وجميعنا يتفق بأن أصدق تجاذب عندما يكون أساسه التقارب في حب الله.