ثقافة السعادة!

أحمد العرفج


لم تختلف البشرية في شيء؛ قَدْر اختلافها في السعادة ومفهومها، ومن أين تأتي وكيف تتحقق..؟!
وفي التراث، هناك الكثير من هذه المفاهيم، ولعل الشاعر القبيح «الحطيئة»؛ أول من أثار هذا المفهوم حين قال:
ولَستُ أرَى السَّعادة جَمع مَالٍ
ولَكن التَّقِي هو السَّعيدُ!!!


ومثل هذا الشرح للسعادة غير دقيق، لأنك ترى آلاف الأتقياء؛ ولكنهم غير سعداء، كما أن هناك ملايين من البشر سعداء؛ رغم أنهم ليسوا بأتقياء..!
وهناك من يظن أن السعادة في المال الوفير، والرزق الكثير، وهذا غير سليم، فأنت تشاهد ملايين الأثرياء هم من التعساء..!


وهناك أيضاً من يظن أن السعادة في المكان، فيقول: سأسافر «لأُغيِّر جو»، ظناً منه أن السفر سيهب له السعادة، وهذا وهمٌ كبير.. فالتعيس يحمل سجن تعاسته؛ ويأخذه معه أينما ذهب..!
وهناك من يظن أن السعادة بتناول هذا المشروب، أو ارتشاف تلك السيجارة، أو سحب نَفَسٍ من «لي» الشيشة أو المعسّل، وكل هذا ليس بسعادة، بل هو وَهْم السعادة، وظلالها الخادعة..!


وإذا تحققت السعادة من تناول أي مأكول أو مشروب، فالفضل في تلك السعادة يعود للأكل أو للمشروب الذي جلبها، وليس لذلك «السعيد العاجز»؛ الذي عجز عن صنع سعادته، فاستعان بـ«صديق من أكلٍ وشرب ونحوه»
وهناك من يظن أن السعادة في العافية وصحة البدن، وهذا الكلام لا يستقيم في المعنى، لأنك ترى ملايين البشر من الأقوياء، ولكنهم يعيشون في بأسٍ وشقاء، بل قد يكون الأمر خلاف ذلك، بمعنى أن تكون القوة والنشاط من أسباب التعاسة.. ومن يذهب لمستشفى «الأمراض النفسية»؛ سيجد أن أكثر النزلاء يتمتعون بصحة قوية، بحيث لا يمكن السيطرة عليهم إلا بمجموعة من الرجال الأقوياء..!


في النهاية أقول:

بعد كل هذه الرحلة الطويلة، والقرارات العميقة؛ في مفهوم السعادة، وجدتُ أنها «حالة ذهنية»، تأتي حين يتصالح الإنسان مع نفسه، ومع غيره، ويؤمن بالقضاء والقدر، ويتفاءل.. أما المكان والزمان، والأحداث، والغِنَى والتُّقَى، كلها عوامل مساعدة.. والأساس في السعادة هو «التوازن النفسي والعاطفي والفكري».. ولقد صدق شاعرنا الكبير «حمد الحجي» حين قال:
ألا إنَّمَا صَفو الحَيَاةِ تَفاؤلٌ
تَفَاءَل تَعش في زُمرةِ السُّعداءِ!!!