ثورة ضد الضعف

أميمة عبد العزيز زاهد

 

أي عاقل حتمًا سيخوض الصراع ضد الكيان الذي يحاول هدمه، منذ أن يبدأ ينفذ قرار الآخرين دون إرادة منه؛ فتمردي يا سيدتي لم يأتِ عبثًا، ولكنه تمرد قديم مدفون في الأعماق، تمرد ضد القبلية العصبية والعنصرية، وضد سيطرة الآباء بدون وجه حق لمجرد التعصب لتقاليد بالية.. إنها ثورة بداخلي على هذه الأوضاع الظالمة.. ثورة ضد الضعف على تقبل أفكار، أكل الدهر عليها وشرب.. لا تستغربي وتعتقدي أن الفتاة فقط هي التي تجبر على زواج لا ترضاه؛ فأنا قد تحدد مصيري ومستقبلي بمنتهى السهولة بناء على رغبة أهلي وليس برغبتي، بشر يعيشون ضمن إطار ضيق الأفق ومجتمع متعصب، تحولت مشاعرهم إلى أرقام، وأحاسيسهم إلى حسابات، الحياة بالنسبة لهم معادلة، ورغبة دائمة في الاستغلال والتحكم وفرض السيطرة على مشاعر أعز من لديهم، وتحت ممارسة الضغوط الاجتماعية، وعلى الجميع السمع والطاعة؛ فعندما أجبرت على الزواج، ثارت أعماقي أكثر من ذي قبل، لقد ارتبطت بقريبتي التي لا أعيب عليها شيئًا، ولكني لم أتقبلها رغم أني حاولت أن أقدم على خطوات تقرب بيني وبينها، وتباعد بيني وبين الماضي الذي كنت أحن إليه ففشلت، كنت أريد أن أتخلص من كل ذكرياتي ومن أحلامي فعجزت، حاولت أن أطرد أية أفكار تهجم على قلبي، وأن أنسى ما فعله بي أعز من أملك، وأتقبل واقعي؛ فلم أتمكن. 
أعلم بأنها كانت تحاول إسعادي ولكن بطريقتها الخاصة، وذلك بالنسبة لي لا يكفي لكي أبادلها نفس الأحاسيس؛ فأنا أريد زوجة أتقبلها إنسانة تشاركني وأشاركها، تفهمني وأفهمها، أريد من تمتلك زمام عقلي وتحرك مشاعري، وتغمرني بحنانها؛ فأنا لا أستطيع أن أحب وأنا أحيا في عالم أُغلقت فيه جميع مسامي وأوردتي، وماتت معه كل مشاعري وأحاسيسي. 
فأنا لم أستطع أن أمنحها عواطفي، وأغدق عليها حناني؛ فلو أحببتها أو تقبلتها، كان من الممكن أن أرى كل ما تفعله بعين أخرى وبإحساس مختلف، ولكن وصلت لمرحلة بدأ إحساسي يتحدى أهلي، يتحدى المجتمع والتقاليد، وكلما وجدت معارضة من قبلهم، كلما ازداد إصراري على رفض حياة لم أجد فيها نفسي، وليس بيدي ولا ذنبي في عدم انجذابي نحوها؛ فقد حاولت وفشلت، كنت صادقًا معها، أخبرتها بكل ما يدور في أعماقي، وأخبرتها أن تبحث معي عن حل يناسبنا، فعلت ذلك دون أن أجرح كرامتها أو مشاعرها؛ فلست متجبرًا أو أنانيًا، إني أشعر بعذابها، ولكن ما ذنبي؛ فقد حاولت أن أبحث عن الوسيلة التي تكفل لي هذا التأثير، ووجدت أنها لن تكون إلا بالحب الذي أتمنى أن أشعر به، رغم علمي بأن أغلب البيوت لا تبنى فقط على الحب.