دع الملل يتفشى بك

سلمى الجابري


كم مرة شعرنا بالملل؟ بل كم مرة لم نشعر بهِ؟ ففي جميع الأوقات وعلى مدار الساعة، لابدّ أن تصادف من يتأفف، من يملؤه الضجر والملل حد اليباب، ولابدّ أن تتردد عبارة «الحياة مملة، أنا أشعر بالملل» بينهم، حتى تصل لأسماعك بكلِ كآبتها ورتابتها، وكأنها تحاول أن تنقل لك وباء الملل أيضاً.
لكن كل ما يتوجب عليك فعله هو أن تولي ظهرك، أفكارك، وكل حواسك عنها؛ لأنها لا تلبث حتى تتشبث بك، فتطرحكَ أرضاً وأنت ترددها بملءِ فيك. والمعضلة الحقيقية هي أن البعض لا ينظرون للملل على أنه حدث ملهم، بل خلاق، يمكنهم استدراجه، بل قلْب الطاولة عليه؛ حتى يكسبوا رهاناً لم يحظَ به غيرهم، ولابدّ أنكم تتساءلون الآن كيف لنا أن نفعل ذلك؟!
حسناً الأمر بسيط جداً، بل ممتع.. دع الملل يتفشى بك، بل دعه يصل لذروته، ولأقصاه، أنت فقط استمتع بتململك من هذا العالم، واذهب لورقتك، لمرسمك، لمكتبك، لأي زاوية تستطيع خلق الحياة بها وأنت تجرّ خلفك أطناناً كثيرة من السأم، وأبدع حتى تسقط نائماً، ثم في اليوم التالي أو اللحظة التي تعقبها، ستجد ما يبهرك، ولن تصدق أنك أنت من قام بخلق هذه الدهشة من حالةٍ مزاجيّة مستعصية، ليس عليك أن تثرثر أمام الجميع بمللك، وليس عليك أن تنقل تلك المشاعر «المتكهربة» على مسامعهم، وليس عليك أن تسخط وأن تُظهر بذلك البؤس؛ حتى تثير شفقتهم عليك، بل انهض بكل رتابة الحياة التي تعتريك، واذهب نحو العدم بأفكارك وبمشاعرك؛ حتى تستجلب ما يعود عليكَ بالسحر والفتنة. 
كثير من الأدباء والرسامين، وكل من كان يقوم بعمل له أبعاده الفنية، كان يعتريه الملل، كما كان يبحث عن الوحدة في أكثر الأماكن صخباً، فقط حتى يخلق حالة تامة من لحظة لا يمكنها أن تتكرر بذات «الرتم» وبذات الإيقاع والسلاسة والعمق. لذلك ابحث جيداً عن مكانك الخاص، واجعله ملاذك الذي تهرع له كلما أصابك الملل بسهامه الشائكة، لكن احذر أن تدلهم عليه؛ حتى لا تجد كل الأحزان البشرية تتبعك لعتباته، بل قد تسبقك، وتزاحمك فيه.