زائرة الخفاء

نجاة غفران

 

فاجأتني بمكر... صباح يوم أمس.
لم أكترث للأمر. كنت أقف في المصعد قرب شخص يقلب شاشة هاتفه، ويسعل بقوة.
لم أكن على ما يرام. قضيت الليل أتقلب في الفراش، قرب زوج قرر أن ينكد عليّ نومي، ويستفزني بكل الطرق. خطئي أنني رفضت الموافقة على تقديم قرض كبير لأخيه. لدينا حساب بنكي مشترك، وهو يريد أن يرمي كل مدخراتنا في جيب دجال يعلم جيداً بأنه لن يستطيع أن يفعل شيئاً من أجل زوجة أخيه. الاثنان يريدان الإنجاب بأية طريقة، وقد عجز الأطباء على مساعدتهما، وهما الآن بصدد جمع المال للذهاب إلى الأرجنتين حيث ثمة شخص يقال بأنه يداوي العقم بخلطات الأعشاب وجلسات اليوغا وسلسلة من الخرافات التي لا يقبلها عقل. كل أفراد العائلة تضامنوا مع أخيه لجمع المال اللازم للرحلة. وأنا كنت واضحة تماماً معه. لدينا نفس المشكل، ورغم ذلك لم نحاول قلب الدنيا وتغيير قدرنا بكل الطرق. لا ثقة لي في الشخص المداوي ذاك. ولا رغبة لي في التضحية بمدخرات خمس عشرة سنة من أجل أوهام لا سند لها في أرض الواقع.
قمت بالبحث في الإنترنت، وقرأت الكثير مما قيل عن الشكوك التي تحيط بالرجل وشاكلته.
زوجي لم يتفهم الأمر. وقد قضى الليلة يرغي ويزبد ويتهمني بالبخل والقسوة وانعدام الضمير ونكران الجميل.. ويصور لي الفضيحة التي ستحدثها ردة فعلي وسط أسرته... وكيف ستتمرغ كرامته في الأرض ويستهين به إخوته وعائلاتهم وربما ينفرون منه ويعزلونه... كلام كثير وكبير... غادرت المصعد إلى مكتبي وأنا أتثاءب وألعن اللحظة التي وافقت فيها على فتح حساب مشترك لمدخراتنا.
تسللت إليّ في غفلة وأنا أراجع ملفات الشغل. ولم أنتبه إليها. ظننتني أدفع ثمن مخلفات ليلة السهر اللعينة.
انتابني صداع شديد وشعرت بتعب متزايد يربك جسدي ويثقل حركاتي.
أنهيت دوامي بصعوبة وعدت الى البيت وأنا أرتجف. لم تكن ملابسي مناسبة للفحات الخريف القارسة. لففت نفسي في رداء منزلي صوفي، وحضرت فنجاني شاي ساخنين ولحقت بزوجي في غرفة الجلوس حيث كان يقلب القنوات وقد مد ساقيه على المنضدة أمام الأريكة.
يعلم جيداً بأنني أكره جلسته تلك. 
فهمت بأنه لم يبلع بعد شجار أمس.
قدمت له فنجان الشاي ولم يعبأ به. وضعته أمامه وسألته وأنا أشعر بحرقة متزايدة في حلقي: «ما الذي يوجد على التلفزيون؟»
رد على الفور: «وتسألين؟ هناك الكثير من الغبار على التلفزيون يا مدام»
وقبل أن أفتح فمي، رمى جهاز التحكم على المنضدة وسحب ساقيه دون اكتراث لفنجان الشاي الذي انقلب أثناء قيامه، وابتعد تاركاً إياي أغلي في مكاني.
استندت على ظهر الأريكة وفكرت في أنه لا فائدة من الحديث معه الآن.
ليس عليّ سوى الانحناء وانتظار مرور العاصفة.
أغلقت عيني وقد تملكني إعياء شامل. ونمت.
لا أدري كيف سحبت نفسي إلى الغرفة بعدها. كان الظلام دامساً، وهو في مكتبه.
شعرت بنفسي قصير، وبلهاثي حاد ومتكرر.
تقلبت في فراشي حتى غلبني النعاس.
صباح اليوم التالي لم أكن على ما يرام على الإطلاق. سمعته يتحرك في المطبخ وقمت بصعوبة أجهز حالي... وأنا أتساءل إن كنت قادرة على الذهاب إلى المكتب. تعبي يتزايد، وأصغر خطوة تتطلب مني جهداً خرافياً.
حملق في وأنا أدخل إلى المطبخ وسألني عما يحدث.
«شكلك فظيع. هل أنت مريضة؟»
لحظتها فقط فكرت فيها. 
الشخص الذي كان يسعل في المصعد. رذاذ فمه. تعبي. ألم رأسي وحرارتي التي لا تريد أن تنخفض. وهذه الغلالة الضبابية التي تلفني وتدور بي وكأنني أركب صحناً في عجلة ملاهٍ دوارة.
مددت يدي أتمسك بأي شيء و...غبت عن الوعي.
فتحت عيني على صوت ندائه. كان ينحني عليّ بفزع، والطبيب خلفه يطمئنه: «لا بأس عليها... إنها أنفلونزا في بدايتها... ستكون بخير إن شاء الله...»
أنفلونزا.
باغتتني دون إنذار. ولم أفكر فيها!!