لحظة الانفجار 

أميمة عبد العزيز زاهد


قال: زوجتي التي أحبها ليست إلا امرأة شديدة الغيرة، قابلة للثورة في أي وقت وأمام أي شخص، ولأتفه الأسباب، وكأنها قنبلة موقوتة ترمي بحممها في كل الاتجاهات دون أي محاذير أو ضوابط‏، هي زوجة لا تتقن المحافظة على بيتها، وليس لها اهتمامات منزلية، وبعيدة قلبًا وقالبًا عن الحياة الاجتماعية، هي مجرد صورة لأنثى لها عينان جميلتان لا ترى إلا ما تريده، وآذان مفتوحة لا تسمع إلا صوتها، وكنت كلما كلمتها ازدادتِ عنفًا، وتفسر غيرتها بأسلوب بعيد عن المنطق، عشت معها لحظات البوح بكل ما بداخلي من قوة، وبكل ما أملك من مشاعر وأحاسيس، وترجمت لها بكل أمانة عن إرهاقي وتعبي، كزوج ورجل له احتياجاته ومتطلباته، وحدثتها بكل صدق عن إهمالها وغيرتها غير المبررة، وشكوت لها عن معاناتي، وأخبرتها بأنها لو تمادت في تصرفاتها فسيأتي يوم ينفذ فيه صبري، ويتجاوز غضبي حدود قدراتي المتاحة، لحظتها لن ينفع الندم. 
ومر عام وأنا أحيا على نفس المنوال‏..‏ ثورات بركانية لا تبقي ولا تذر لأي تأخير في مواعيدي في العمل، أو في حالة سفري، أو عند الزيارات العائلية، وتظل تتابع حركاتي وسكناتي، وتستفسر حول برنامج يومي بالكامل، من خاطبني؟ ومع من تكلمت؟ ومن زارنا؟ وتراقب الهاتف لتعرف اتصلت بمن؟ أو من اتصل بي؟ وتتغير قسمات وجهها عندما أرد على أي مكالمة، وتسترق السمع لتحدد صوت المتحدث، كان يساورها الشك لو تحدثت مع نفسي، وكم أخبرتها بأنها تجاوزت مرحلة الغيرة، ووصلت لمرحلة أعمق، وهي الشك في كل تصرفاتي وأفعالي وأقوالي وحركاتي، وليس الغيرة كما كانت تتوهم، حتى حولت حياتي لجحيم.. وتحملت منها الكثير والكثير، لقد كنت ضعيفاً تجاهها؛ فأنا أحبها، والحب الصادق يأتي عليه يوم ويموت إذا لم يترجم لأقوال وأفعال، فبسببها لم أتمكن من الشعور بالاستقرار والراحة التي يطمح إليها أي زوج، ولم تهتم يومًا بأن تتغير لتسعد نفسها وتسعدني، فعشت حياتي رجلاً بلا قلب، وبلا إحساس، حتى جاءت لحظة الانفجار الرهيب، حين بدأت حممها في التناثر في كل اتجاه، ولكن في هذه المرة حاولت إيلامي بوسيلة مدمرة، حين حاولت إثارة غيرتي ولفت اهتمامي باستفزاز رجولتي، وإيهامي بأنها تتحدث مع رجل آخر، وعلى علاقة به واقتربت من المنطقة المحرمة‏...منطقة الشرف على نحو يكشف عن طبيعة متناهية الغباء، وأنا لا أنكر بأني كنت أثق فيها ثقة عمياء، وهي كانت أهلًا للثقة لكن أن يصل بها الحد لاستخدام هذا الأسلوب الشاذ الذي لا أقبله على نفسي، ‏ولو كان لديها قدر من الحكمة لأدركت أنها قد أخطأت خطأ لا يجدي معه أي تفسير أو تبرير. ‏
فأنا لن أنسى ما قالته، ولن أغفر لها ما فعلته، فقد كان ذنبها بالنسبة لي أقوى من الغفران، وأوصلتني لمرحلة أصبحت أتردد بين تصديق ما صرحت به عن نفسها، وبين الاقتناع بأنه ليس سوى حلقة جديدة من تصرفاتها غير المسؤولة، ولا تدري بأنها جرحت رجولتي، وقتلت كرامتي، فأنا لا أرى فيما ادعته على نفسها سواء كانت صادقة أم كاذبة سوى إضافة فصل جديد من فصول القهر النفسي الذي أعيشه معها، وبعد هذا الموقف بدا من المستحيل أن نكمل الطريق معًا وقررت أن أطوي هذه الصفحة من حياتي، ووضعت كلمة النهاية غير نادم لحياة زوجية تاهت منها الراحة، وفُقد فيها الاحترام، وتلاشت معها الثقة.