محاولات فاشلة

شهرزاد


قد تدفعنا المَواقِف المُؤْلِمة إلى تجْربة النسيان كطريقة أخرى لحياة جديدة تخلو من بقايا العلاقات القديمة في دواخلنا، فنتخبط في محاولات قد يكون أغْلبها فاشل..

وحين نعود إلى أنفسنا نكْتشف أن ذلك الجُزْء المُؤْلم من الذاكرة مازال يُسرب إلى أرواحنا الكثير من الوجع، وأن كل تلك المحاولات لم تكن سوى مُسكنات مُؤَقَّتة لا تكاد تنْتهي حتى يسْتَيْقظ في داخلنا كل ما توهمنا أننا نجحنا في إخْماده تحت رِماد الوقْت.

فنكْتشف أن تلك المُحاوَلات الفاشِلة كانت تُقربنا من المساحات التي نود الفرار منها، ولا تبْعدنا عنها كما توهمنا دائماً..

وأن كل تلك الأغنيات التي أدمناها بعد الفراق، وكل تلك الحكايات التي تخبطنا فيها بعنف، كانت مُجَرَّد مُحاوَلات فاشِلة للنِسْيانِ..

وأن كل حالات السُبات التي عشناها، وكل الساعات التي أضعناها في النوم، وكل السنوات التي اعْتزلنا فيها الحياة والناس والرِفاق كانت مُحاوَلات فاشِلة للنِسْيانِ..


وأن كل الهِوايات الجديدة التي أغرقنا أنفسنا فيها، وكل المُدُن التي زرناها وسرنا في طرقاتها بصُحْبةِ أنفسنا، كانت مُحاوَلات فاشِلة للنِسْيانِ..


وأن البُكاء تَحْتَ الماءِ، والبُكاء تَحْتَ المطرِ، والبُكاء فوق الوَسائِد، والبُكاء أمَام المَرايا، وحالات النِسْيان وحالات الفرح وحالات اللامبالاة التي بالغنا فيها.. كانت مُجَرَّد مُحاوَلات فاشلة للنِسْيانِ..

وأن أحاديثنا عن النِسْيانِ، وأحاديثنا عن الندمِ، وأحاديثنا عن التأَقْلُمِ، ومُقْتنياتنا التي تخلصنا منها، وأوْراقنا التي أحْرقناها.. كانت مُجَرَّد محاولاتٍ فاشِلة للنِسْيانِ..


وأن تغيير أَذْواقنا وألْوان ملابسنا وطِلاء غُرفنا، وأرْقام هواتفنا، وعناويننا.. كانت محاولات فاشِلة للنِسْيانِ..

وأن المبالغة في الضحك، والمُبالَغة في السَعادةِ، والمُبالَغة في التفاهة، والمُبالَغة في حُب الحياة.. كانت مُحاوَلات فاشَلة للنِسْيانِ..


وأننا كي نَنْجح في النِسْيانِ لايجب أن نلجأ إلى سُخف الأوهام، ولا أن نعتزل الحياة، ولا أن ندمن الَنوْم،
ولا أن نعلب ذكرياتنا لنتناولها في ليالي الحنين كوَجْبة باردة،
ولا أن نفرض على قلوبنا بَدائِل غير مُلائِمة..

وأنه من الغباء أن نقضي أجمل العمر في ُمحاوَلات ياِئسة لنسيانهم، فالنِسْيانِ قَضيّة وقْت، قد ننجح فيها حين نمنح قلوبنا الوقت الكافي لتجاوز المراحل الموجعة.

قبل النهاية بقليل:
كي تنسى.. ابْحث عن نَوافِذ الهواء في دائرتك المُغْلَقة، وتوقف عن التخبُّط في الدوائِر الأخرى.