نخلق من المشهد ألفَ تنهيدة

سلمى الجابري


لم يكن الأمر بتلك الصعوبة، ولم يكن معقدًا كما توقعته، كلّ ما في الأمر بأن تجاوزك كان أسهل بكثير من البكاءِ عليك. فقط هي اللحظة الأولى، القيامة الأولى، والهزة التي تهدّ داخلك، إن لم تتمسك جيدًا، حينها ستمضي عمرك وأنت تبحث عنك، ستظلّ في القاع تجمع شتاتك دون جدوى.
ولكي أبلغ أقصى درجة من الوضوح، ها هي يدي بين يدك، أصافحك، عيني أمام مرأى من عينك، لا شيء يفصلني عنك، لكن هذا القلب لم يعد يرتجف، يقفز من الحب كما كان، لم يضعف، لم يمِل لثباتك، ها قد أصبحت الآن عاديًا، عابرًا، شفافًا، وغير مرئي على الأقل بالنسبة لي. أليس هذا ما كنت تطمح له؟ فلتستمتع بعدميتك.
البعض منّا يأبى أن يدرك بأننا قد وضعناه فوق التوقعات، فوق الشعور الذي قد يصفعنا بالخيبة ونحن مجردون من حمايتنا، فهم كانوا درعنا الواقي، الحاجز الذي يحول بيننا وبين التعاسة، آه يا وجعنا العميق، كم نحن بائسون، ومرهقون.
تجاوز، تخطى، لو أمكن فلتحلق، لا شيء هنا يستدعيك للبقاء، فكل أسبابك قد تم انتهاكها، بأي حقٍ إذًا ستنوي المكوث؟
كلنا وقعنا بفخِ الاعتياد، من ذا الذي لم يعتد، كي نصفق له بألم؟
المرحلة القادمة ستكون لنا، لنا فقط، احذروا أن تقاسموهم ذواتكم، تقاطعوا مع العالمين، تكاثروا بين العشاق، وقُطاع الهوى كما شئتم، لكن لا تتجردوا منكم ولو من أجل الحُب.
ننصب الفخاخ، نرسخ أفكارًا لا تعنينا، نجترّ اللامبالاة من خلفنا، ونحن الذين نخلق من المشهد ألفِ تنهيدة وتنهيدة، لا أحد فينا يستطيع المراهنة على ما يدور في رأسِ الآخر، فكلنا نكاد نغرق في العدم.
فكرّة التخلي، هي الحل، هي المخرج، هي المنفذ الوحيد، حينما تتكاثر بداخلنا الكلمات، الشخوص، وكل التعابير التي لا يمكننا أن نلفظها أمامهم، الممر الوحيد للخلاص، هو الصمت يا قلبي. فهذه الخيبات لن تستكين، لن تهدأ، إلا حينما نخرس كل أفواه الذكريات من حولنا بداخلِ هذا المجاز.