وأد البراءة

أميمة عبد العزيز زاهد

لاتزال قضية زواج القاصرات تشغل الساحة الحقوقية والإنسانية على مستوى العالم؛ لأنه زواج يتم بموجب صفقة بين ولي الأمر والزوج؟ أب يُقدم على بيع طفلته، قد يكون بعضٌ من هؤلاء الآباء يعاني من خلل في صحته العقلية، أو يرغب بالتخلص من المسئولية، أو أب لا يمكنه الصرف على أسرته، أب يتصف بالأنانية وخلو قلبه من الرحمة وعدم الخوف من الله؛ فالاتفاق على مثل هذا الزواج يكون لتحقيق منفعة شخصية ومكاسب مادية له، وفي نفس الوقت تجديد شباب للزوج، الذي يعتقد أنه بزواجه من فتاة صغيرة، سيرجع له شبابه ويجدد عمره بماله، وهناك العديد من القصص المحزنة التي تدمى لها القلوب لفتيات تم تزويجهن من رجال يكبرونهن في السن بثلاثة أو أربعة عقود؛ فهناك فتاة تزوجت في الثامنة لتصبح أصغر أرملة وعمرها لا يزيد عن اثني عشر عامًا، وأخرى أنجبت وعمرها أربعة عشر عامًا بعد ولادة متعسرة؛ لتصاب بفشل كلوي مزمن هجرها على إثره زوجها؛ فعادت إلى منزل أسرتها تحمل طفلها وهي تعاني من آثار مرض نفسي حاد، وهناك من قضت نحبها وهي تضع مولودها بعدما انفجر رحمها، وأخرى لم تتجاوز الخامسة عشرة ارتبطت بثمانيني مليونير؛ لأنه قادر على بناء منزل لأسرتها وشراء سيارة لأبيها وتوظيف أخيها، وهناك من لجأت إلى شرب مادة الكلور؛ محاولةً الانتحار، فيما أدخلت أخرى لقسم العناية المركزة ليلة دخلتها من آثار ما تعانيه من جماع الليلة الأولى. والمجال هنا لا يتسع لذكر العديد من المآسي؛ فحالات زواج القاصرات نالت اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا ورصد المهتمون في جمعيات حقوق الإنسان الكثير من المآسي المتعلقة بهذه الظاهرة، ونتائجها مرعبة تتمثل في كثرة حالات الطلاق والترمل، وأحيانًا الوفاة. 
وقد حذرت لجنة طبية ووضحت في تقريرها عن الآثار السلبية لزواج القاصرات، وما يسببه من أضرار نفسية وصحية وجسدية تهدد صحة الأطفال، وأن هؤلاء الفتيات يتعرضن لمشكلات جسدية ناجمة عن عدم استعداد أجسادهن لخوض تجربة من هذا النوع.. ويكن مهددات بالإصابة باضطرابات الدورة الشهرية، تأخر الحمل، والولادة المبكرة.. علاوة على تزايد حالات الإجهاض وارتفاع مخاطر إصابتهن بهشاشة العظام، وفيما يختص بالجانب النفسي؛ فزواج الطفلة يسبب بمعاناتها من الحرمان العاطفي المتمثل في حنان الوالدين، والحرمان من عيش مرحلة الطفولة؛ مما يؤدي لتعرضها لأمراض نفسية، مثل: الفصام، والاكتئاب، والقلق واضطرابات الشخصية، كما قد ينجم عن ذلك اضطرابات في العلاقات الجنسية، ناتجًا عن عدم إدراك الطفلة لطبيعة العلاقة وعدم تفهمها لما يعنيه الزواج ومسئولية الأسرة، وقد ينتهي الأمر بهروبها نحو الإدمان، هذا عدا صحة مواليد تلك الفئة؛ فقد حذر التقرير من احتمالية معاناة هؤلاء الأطفال من عدد من المشكلات الصحية، مثل: اختناق الجنين في بطن الأم، وما يصاحب ذلك من مضاعفات، مثل: قصور في الجهاز التنفسي لعدم اكتمال نمو الرئتين، واعتلالات الجهاز الهضمي، بالإضافة إلى تأخر النمو الجسدي والعقلي، وزيادة مخاطر الإصابة بالشلل الدماغي، والإصابة بالعمى والإعاقات السمعية.
جميعنا مسئولون عن حماية أطفالنا ورعاية مصالحهم؛ فقضية تزويج الفتيات الصغيرات واغتصاب طفولتهن، مسئولية الجميع، ولا بد من مواجهتها، والتصدي لهذا الفعل، الذي يمتهن حقوق الطفولة، ويمثل تجاوزًا على معاني وقيم الشرع، ويعتبر استغلالاً لحاجة وفقر بعض الأسر.
ولا أدري، لماذا نقطف الزهرة قبل أوانها؟ إنها عملية وأد البراءة وقتل الأمل واغتيال السعادة، لبراعم لم تتفتح بعد، إنها جريمة تدفع ثمنها الصغيرات.