العمل الإنساني نهج حياة

مريم الحمادي

 

ثقافة الفرد وممارساته هي انعكاس للثقافة السائدة في مجتمعه، وتلعب دوراً كبيراً في تحديد خياراته المستقبلية. نشأت في مجتمع تأسس على قيم العطاء والخير والإنسانية، يحتضن على أرضه أكثر من 200 جنسية تحمل ثقافات وقناعات مختلفة، وتتشارك معنا مسيرتنا بمختلف تفاصيلها وهو ما أسهم في توسيع رؤيتنا للعالم وتعميق إحساسنا بالمسؤولية تجاه القضايا الإنسانية للشعوب.

هذه الثقافة الاجتماعيّة تجسدت في المؤسسات الاجتماعيّة والأكاديميّة التي تعزز قيم العمل الإنساني لدى الناشئة والشباب، ولا زلت أذكر كيف كانت هذه المؤسسات تشركنا في جمع التبرعات المادية والعينية للمحتاجين، وكيف كانت تخصص أوقاتاً لتعليمنا قيمة الشعور بالآخرين ومساعدتهم وكيف أن هذا العمل هو واجب أخلاقي على كل فرد، وكيف ينعكس أيضاً بشكل إيجابي على مجمل ممارساتنا الحياتيّة فنصبح أكثر تفهماً وصبراً وتعاطفاً مع أنفسنا وعائلاتنا ومجتمعنا.

العيش في هذا المحيط الحيوي والمتفاعل مع قضايا الآخرين، خلق عندي الكثير من الأسئلة، مثل ما الذي يمكن فعله لتخفيف المعاناة عن ضحايا النكبات والصراعات والكوارث والفقر؟ وهل الاهتمام بمعاناة الناس مهمة ملقاة على عاتق المؤسسات أم أن على الأفراد والمجتمعات المساهمة أيضاً، وهل تكفي المساعدة هنا والدعم هناك للحد من المعاناة أم يجب التفكير بمنطق أكثر استدامة واستمرارية وتعزيز قدرة المجتمعات أنفسها بنوع معين من البرامج والمشاريع؟

هذه الأسئلة وغيرها وجدت إجاباتها في السياسة العامة للدولة وجهودها الإنسانية تجاه المجتمعات والشعوب المتضررة، ووجدت طريقي ومنهجي نحو خدمة القضايا الإنسانية في توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، ورعاية قرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة مؤسسة القلب الكبير، فبرعايتهما قامت مؤسسة القلب الكبير، وترسخت ثقافة العمل الإنساني كمكون أساسي لثقافة المجتمع ككل، وأصبحت مواقفهما تجاه المجتمعات القريبة والبعيدة نموذجاً لكل فرد، ومن خلالها أدركنا أن العمل الإنساني ليس عملاً يتم في مواسم معينة، ولا يجب أن يكون ردة فعل على حادثة ما، بل هو منهج حياة وموقف ثابت وتعبير راقي عن قيمنا وأخلاقنا التي نؤمن بها.

في العام 2008 كانت تجربتي الأولى في العمل الإنساني على نطاق واسع، حيث انضممت إلى حملة سلام يا صغار التي أطلقتها الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي لدعم ومساعدة الأطفال في فلسطين المحتلة، وفي العام 2013  امتدت الحملة لتشمل الأطفال ضحايا الصراع في سوريا، ليتم دمج الحملتين اللاتي شكلتا معاً نواة مؤسسة القلب الكبير وأطلقتها سموها رسمياً في عام 2015.

أشعر بفخر لدوري كمديرة مؤسسة القلب الكبير، وتعلمت من تجربتي في السنوات الماضية، أن العمل بشكل عام والإنساني بشكل خاص يكون بالأثر والشغف والمثابرة، وتعلمت أيضاً أن الأفكار النبيلة لا تتحوّل وحدها إلى ممارسات ومشاريع وبرامج من دون قرار وتخطيط مسبق ومن دون تنسيق وتعاون بين كافة مكونات المجتمع.