ما زالت تجذبني التفاصيل المشعة

سلمى الجابري

 

مع بداية أي عامٍ جديد، لا يسعنا سوى الوقوف امتناناً للعام الذي رحل، للعام الذي علّمنا كل شيء واللا شيء، أما العام الجديد الذي مازلنا نجهل ملامحه، فسنصافحه بريبة، بتوجس وقلق، لكن كل الدعاء أن يكون عام خير، عام يغدقنا بالسلام العاطفيّ، الإنسانيّ، الروحيّ، عامٌ يمدّ لنا يديه قبل أن يمدّ لنا وجعه وخيباته المتكررة.
عامٌ انقضى من عمرك يا قلبي، عامٌ رحل بكلِ ذكرياته، بكلِ ساعاته، بكلِ انتظاره، وفرحه، عامٌ آخرٌ قد انسلّ من ذاكرةِ الأيام ومني بصورةٍ طارئة، عامٌ انتهى، وانتهت معه الليالي الآسنة، والأخرى الهادئة، عامٌ صفق الباب من خلفه واختفى، ليترك الكثير من الفرص، من اللحظات، من المشاعر لعامٍ آخر، أتفاءل به، كما أتطيّر من حزنٍ قد يصيبني فيهِ.
غريبةٌ هي الأعوام التي تضاف إلى رصيدِ أعمارنا، والأخرى التي تكون سببًا في نقصانه، فبينهما نعيش الكثير، ونموت في تلك الكثرة حد الألم.
أيها العام الحاضر الذي سيفصلنا عن خارطة العام الماضي، كن رؤومًا عليّنا، كن الحياة بكلِ تقلباتها، لكن لا تعصف بنا نحو الهاوية، نحو الدرك الأسفل من الأسى، كلّما ضاقت بنا الأقدار واشتدّت.
فهذا العالم لا يسعني في هذه اللحظة، أريد أن أركض، فالنهار سيبدأ، والشمس ستقبل رؤوس الجبال، ستعانق الغمام، وستميل لتنتصف شحوب السماء، ستصافح الوجوه المتثائبة، وستمنح الدفء للصغار.
لا وقت عندي كي أعبر التيه بتيهٍ أكبر، لذا سأسافر مع النوارس والأغنيات، فأنا ما زالت تجذبني التفاصيل المشّعة.