موسمُ الهجرة إلى الرّيف: ووجه آخر لحياة سّعيدة

ازدادتْ في الفترة الأخيرة هجرة النّاس من المُدن المُزدحمة المُلوثة الى الأرياف الهادئة النقيّة للعيش في حُضن الطّبيعة البكر. وفي ظلّ وباء "كورونا" تدعّم مفهوم جديد للحياة السّعيدة الآمنة بعد ان تعب البعضُ من الحياة الصّاخبة، وسئم الكثيرون نمط العيش المُتسارع في المدن وانتقلوا للإقامة في الارياف والغابات لينعمُوا بحياة بسيطة بعيدا عن الضغط والقلق والتّلوّث.

 

قناعة  مُشتركة بين الزّوجين

داخل البيت

 

ومن بين هؤلاء الذّين فرّوا من المُدن إلى الرّيف، وحسب ما تناقلته وسائل الاعلام الفرنيسة، "كارولين" (35 عاما) وزوجُها"ّجونثان آتياس" (34عاما)، وهو فرنسيّ من أسرة ثريّة مُرفّهة، فوالده مُحام ناجح في باريس، وأمّه محاميّة أيضا. نشأ وترعرع في حيّ راق في الدّائرة السادسة عشرة في العاصمة الفرنسيّة، وهي الدّائرة التّي يسكُنها الأثرياء والطبقة المُرفّهة. درس التّجارة في الجامعة وعمل بعد تخرّجه في وظيفة رفيعة ودرّس بالجامعة.

ولكنّه سئم حياة المدينة وضاق ذرعا بوتيرة العيش المتسارعة ونما لديه وعي بانّ حياته على هذا النمط لا نكهة فيها ولم تُحقّق له السّعادة والرّضا فقرّرــ  وفق ما ذكرته جريدة "لافوا دي نور"(صوت الشّمال) الفرنسيّة  ــ  ان يتوقف نهائيّا بالاقامة في مساكن الإسمنت المّسلّح، وبدأ البحث عن حياة أخرى مُختلفة بين أحضان الطّبيعة، وشاركته زوجته "كارولين" نفس القناعة و كانت تشتغل في تجارة الأشياء الثّمينة الغاليّة.

 

الرّفاهة الدّاخلية

 

سعادة بين احضان الطبيعة

 

وبعد بحث وتفكير اختارا مكانا قصّيا في غابة نائيّة بالجنوب الفرنسيّ (570 كلم جنوب باريس) ليعيشا فيه وشيّدا معا مكانا للسكنى يكاد يكون كوخا مبنيّا بالتّبن والطّين وبمواد أوّليّة طبيعيّة مساحته 40متر مربع فقط، وهما منذ ظهور جائحة "كورونا" يعيشان في هذا المكان عيشة راضيّة يصفها الزوج في لقاء له مع إذاعة  "اللوكسمبورغ" بأنها "حياة بديلة ": يأكلان ممّا يزرعان من خضر وغلال وثمار وفواكه، وأصبحا خبيران بالنباتات البريّة يستغلان منها ما هو مفيد ونافع و يشربان من النهر القريب من "مقرّ" سكناهما، واختارا العيش في استقلال تام مع تجهيز بسيط يزودهما بالكهرباء بواسطة الطاقة الشمسيّة و يصنعان بانفسهما كل شيء تقريبا وحتّى الحبال والسّلال .

لاتوجد ثلّاجة بالبيت. يقولان أنّهما يبحثان عن "الرّفاهة الدّاخليّة " أي التّي في القلب والوجدان، وتعيش معهما ابنتيهما: الكبرى وعمرها 5 أعوام والصغرى وعمرها عاما واحدا.

مدرسة للحياة

 

اعمال  يدوية للزوجين

 

يقول  jonathan attias "جونثان "في لقاءات له مع الصحافة الفرنسية:" كنت في حاجة لأحرّر نفسي من المدينة. حياتنا هنا هي مدرسة للحياة، فكل يوم نتعلم اشياء مختلفة، وحولي اشجار باسقة واسرّح نظري على اخضرار ممتد واحس بداخلي بسلام نفسي، و انّ الوحدة التي اعيشها اصبحت مصدر قوّة، وأحبُّ الاوقات الى نفسي هي التّي اقضيها في وحدتي: اطالعُ اكتبُ وافكّر، في حين أنّي لمّا كنتُ في باريس كان الزّمن يمرّ من بين أصابعي. واليوم فإنّي أحلم بمجتمع مختلف في علاقته بالإستهلاك والمال وبالطبيعة، وإنّي اتلقى الرسائل الكترونية (احتفظ بهاتفه الذكي وجهاز كمبيوتر) من آلاف الأشخاص يريدون الحصول منّي على معلومات حول طريقة اختيارنا للعيش البسيط وسط الطبيعة"، وأصبح "جوناثان" رافع لواء مفهوم جديد للحياة في الأرياف والغابات: يُؤلف الكتب و يتحدث في الاذاعات ويُلقي المُحاضرات.

جدل

 

الزوجان مع ابنتيهما امام الكوخ الذي اختاروا العيش فيه بين احضان الطبيعة

 

وفي نفس الغابة حذت حذوه عائلات اخرى تركت وراءها كل شيء لتعيش حياة بسيطة بين احضان الطبيعة.. ويؤكد "جونثان" انّه اليوم رجل سعيد بعد ان غيّر اسلوب حياته وغيّرعلاقته بالمال والاستهلاك واقترب من الطبيعة مضيفا: "عندما يسدل عليّ الليل ستاره وتكون ابنتيّ نائمتين أسرّح نظري من نافذتي الى النجوم في السماء واحس بسلام نفسي يغمرني واشعر اني حققت حلم طفل بداخلي" .

ولكنّ المُلفت أنّ هذا الاختيار اثار جدلا في المجتمع الفرنسي بين من رأوا في هذا الاسلوب في الحياة نمطا هامشيّا وبين من رأوا أنّه اختيار صائب ومصدر راحة وسعادة، فما رأيكم؟.