عبدالله طايع وقصة الطفلة في حمام الرجال

6 صور

إنها أمّ تقف في وسط الطريق. تركت بيتها وأبناءها في بيت متواضع في مدينة سلا المغربية. لا تتوانى عن الدخول في مشاجرة مع أقوى الرجال من أجل لقمة عيشها. صورة عن المرأة المغربية القوية العتيدة التي تصارع من أجل الحياة. هي النموذج الذي لا ينساه أبداً الروائي المغربي عبد الله الطايع في رواياته. تفرض نفسها بين سطوره. هي أمه التي لا ينساها أبداً رغم انتقاله إلى باريس واحترافه الكتابة باللغة الفرنسية.
وفي تصريح خاص لـ«سيدتي نت» أكد عبد الله طايع أنه لم يفكر يوماً في احتراف الكتابة. «هي أحد إنجازاتي غير المتوقعة! حلمت بالعمل في السينما بعد تأثري بنجوم الأفلام المصرية، مثل هند رستم وسعاد حسني ويوسف شاهين. ومن أجل تحقيق هذا الحلم، تعلمت اللغة الفرنسية وأدبها في جامعة محمد الخامس قبل انتقالي إلى باريس. ومن أجل عملي في السينما، قررت إتقان اللغة الفرنسية من خلال كتابة يومياتي. وهذا كان بداية عهدي بالكتابة وتحولي نحو الأدب».

قلب الأدب
أصدر عبد الله طايع رواياته ذات الحكايات المغربية باللغة الفرنسية. أي لم يكتب باللغة العربية. يقول: «اللغة أمر ثانوي. أكتب عن عالمي الفقير جداً في مدينة سلا المغربية المهمشة من السلطة والمثقفين. أدخلت أسرتي الفقيرة إلى قلب الأدب، ومعها أوصلت أصوات جيراني وأصدقائي عبر قلمي إلى كل العالم. الكتابة شيء أحمق. يعيش الإنسان أكثر لحظات الحماقة مع الورقة والقلم، حيث يتحكم به الوعي والشعور. من هنا لا يختار الكاتب المواضيع التي يكتب عنها، بل يرصد ما يشد انتباهه والحكايات التي تكشف تفاعله مع الناس. وعندما أنتقد المجتمع لا يعني أني أكرهه، بل أريد التعبير عن فكرة الاختلاف داخله، خصوصاً أن المساحات المخفية للتعبير عن الحرية في العالم العربي ضيقة جداً! وهذه معضلة يواجهها الأدب! لذا أجزم بأن الكاتب يعيش وحدة كبيرة، كما أن المراحل التي يمر بها في مخيلته، تجعله يخلق حواراً خاصاً مع مجتمعه؛ حتى يرى الأشياء بطريقة أفضل من محيطه! وبناء على ذلك لا يهمني الكتابة عن مشاكل العالم العربي، بل التعبير عن علاقة الكاتب بواقعه الحميم من ناحية ومع مجتمعه من ناحية أخرى».

ويؤكد عبد الله طايع على صعوبة الكتابة الذاتية؛ لأنها كما يقول «طريقة البحث عن طوق النجاة من خلال مواجهة واقعنا بطريقة مباشرة. «ترتبط الكتابة بالنسبة لي بفضح الخفايا وبعث الأصوات المكبوتة؛ لأن دور الأدب الدفاع عن كل ما هو مختلف. أنا مهووس بالكتابة عن أفكار معينة داخل مجتمعي، وأبحث عن طريقة تحويلها إلى نص أدبي. وأذكر مثلاً هنا الحادثة الأولى التي حرضتني على الكتابة. لا أنسى صورة فتاة صغيرة كان يصطحبها والدها معه أسبوعياً إلى الحمام الرجالي الشعبي في حي السلام في مدينة سلا المغربية. كنت أذهب إلى ذلك الحمام؛ لأنه لم يكن لدينا في منزلنا. تساءلت: كيف لذلك الأب أن يصطحب معه ابنته البالغة من العمر ست سنوات؛ لترى الرجال العراة! كتبت ذلك المشهد النافر الذي ربما يتجاوز التابو والمحرمات»!

لم تعرف والدة عبد الله طايع القراءة والكتابة. كانت تعيش كما يصف في مجتمع محافظ، أما والده فعمل ساعياً في مكتبة الرباط الوطنية. ويتحدث عن أسرته قائلاً: «كنا تسعة أطفال. عشنا في منزل صغير. كنا نمضي أيامنا في الشوارع؛ لأننا معدمون، لذا لم أحلم يوماً بالوصول إلى مدينة باريس أو العالمية، لما طبعه الفقر على حياتي! وبالطبع شعرت بضغوط اجتماعية كبيرة عند وصولي إلى باريس؛ إلا أنني اهتممت بالبحث عن دار نشر لطباعة رواياتي. وهذا لم يحدث في ليلة وضحاها؛ لأنني أخذت الكثير من الوقت لإقناع الناس بموهبتي».

أعماله
عبد الله طايع روائي مغربي، ترجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والإسبانية والألمانية ومؤخراً السويدية مثل «جيش الخلاص»، «شجن عربي»، و«يوم الملك» التي تتطرق إلى مسألة الجدل الطبقي داخل المجتمع المغربي من خلال حلم الطفل الفقير «عمر» بيوم يلتقي فيه الملك؛ حتى يبلغه بأحلام الفقراء، ثم تبلغه إدارة المدرسة بأنه سيكون من بين الطلاب الذين تم اختيارهم من ضمن أطفال المدينة للقائه، فيحاول صديقه الثري «خالد» انتزاع هذه الفرصة منه. والجدير ذكره أن هذه الرواية الصادرة باللغتين العربية والفرنسية حاصلة على جائزة لافلور بريكس، التي تعتبر أرفع جائزة أدبية للكتاب الشباب في فرنسا.