قصة البدايات الغنائية لأشهر النجوم السعوديين «وما الحب إلا للأغنية الأولى»

راشد الماجد
راشد الماجد
عبدالمجيد عبدالله
محمد عبده
رابح صقر
عبادي الجوهر
طلال مداح
طلال مداح
الملحن د. سامي الخليفة
الناقد عبد الرحمن الناصر
راشد الماجد
رابح صقر
رابح صقر
15 صور

جاءت بداية الفنانين السعوديين نحو الانطلاقة الفنية في بساطة التسجيل الغنائي والأيقونات الموسيقية، برغم عدم انتشار التكنولوجيا في ذلك الوقت الذي يعود لنهاية الخمسينيات الميلادية وبداية الستينيات، التي لمع فيها الراحل طلال مداح و«فنان العرب» محمد عبده. إن هذه البدايات شكَّلت انطلاقة حقيقية لوصول أصواتهم للعالم العربي، وفي تلك الفترة ساهمت الإذاعات في إيصال أعمالهم الغنائية التي حملت معها الأغنية القصصية للعالم العربي، بما فيها الأسطوانات التي شكَّلت انتشاراً فنيّاً للأصوات السعودية. وبمرور الزمن، وضع الفنانون السعوديون بصمة فنية لهم نظيرَ العطاء الكبير الذي بذلوه في شقّ طريقهم للوصول للنجومية في أدائهم منذ أولى بداياتهم.

وفي هذا التقرير نستعرض لكم قصة الأغنية السعودية الأولى لأبرز الفنانين السعوديين:
محمد عبده ونشأة الستينيات


بدأ «فنان العرب» محمد عبده رحلته الفنية في الستينيات الميلادية، وكان حينها يتخصَّص في صناعة السفن، وبرغم حبه المجال الذي اختاره لدراسته، إلا أن شغفه بالفن دفعه إلى الاتجاه للغناء، ولم يمنع بروزه تواضع وبساطة الآلات الموسيقية في ذلك الوقت، إذ ساعدت قدرته وتمكُّنه من العزف على آلة العود في تعرَّف الجمهور على فنه، واعتلائه مسرح التلفزيون، الذي قدَّم محمد عبده ليصدح بصوته الشجي، ويساهم في تطوير الفن السعودي.

وبدأ «فنان العرب» مشوار الألف ميل باعتماد الألوان الشعبية، بخاصة لون السامري في بداية الستينيات الميلادية، على أن الانتشار الأكبر له كان في حقبة السبعينيات التي شهدت ازدهاراً كبيراً للأغنية الطويلة، فصدح بها عبده على المسارح الفنية في الخليج والوطن العربي.

وقدَّم محمد عبده في تلك الفترة مجموعة من الأعمال الغنائية الرائعة، أولها «خاصمت من عيني سنين»، ثم تغنَّى بـ«سكة التايهين» التي لاقت انتشاراً كبيراً في السبعينيات حتى أصبحت من أعماله الخالدة، وأسَّست بحق للأغنية السعودية.

طلال مداح وصناعة الأغنية السعودية

يُعدّ الفنان الراحل طلال مداح، صاحب «الصوت الذي لا يموت»، من مؤسسي وصانعي الأغنية السعودية الأصيلة، وقد تميَّزت أغانيه بسلاسة الكلمة وروح المغنى والقصيد، وأثّرت أعماله الفنية في الفن السعودي منذ بدايات مسيرته، منتصف الخمسينيات الميلادية، ليحصد عديداً من الألقاب، منها «أستاذ الجميع» و«قيثارة الشرق».

وتُعد أغنية «وردك يا زارع الورد»، من كلمات الشاعر عبدالكريم خزام وألحان طلال، من أوائل أعماله الغنائية، فعُرضت عبر الإذاعات السعودية عام 1959م، وتميَّزت باللون العاطفي، وعذوبة اللحن، وما زال هذا العمل الخالد، الذي يُعتبر الأهم في مسيرة مداح الفنية، يُغنَّى في الحفلات والجلسات الغنائية.

يقول الفنان الراحل في مذكراته: «هذه الأغنية جاءت بعد فترة من زواجي، وبداية تقديمي الألحان الغنائية، وقد تسبَّبت لي في بعض الشكوك، إذ سبق أن غنَّتها مطربةٌ في دولة عربية، لكنني تمكَّنت من غنائها بشكل ودي، ودون إشكاليات فنية». وغنَّى طلال «وردك يا زارع الورد» في عديدٍ من الحفلات الغنائية في الخليج والوطن العربي، بالإضافة إلى حفلات مسرح التلفزيون في العاصمة الرياض.

عبادي الجوهر ورحلة الأغنية الحزينة

شهد عام 1967م، بداية المسيرة الفنية للفنان عبادي الجوهر «أخطبوط العود» اللقب الذي يُطلقه عليه جمهوره. عبادي كان يعمل حينها في القطاع العسكري، لكنَّ الفنان الراحل طلاح مداح ساهم في تغيير مسار حياته بالكامل، ونقله إلى عالم الفن بعدما أُعجب بموهبته. وقد اشتهر عبادي بالتفنُّن في العزف على آلة العود طوال أكثر من أربعة عقود، وبدأ مسيرته الفنية عازفاً وملحناً وفناناً حتى أصبح سفيراً للأغنية الحزينة التي أبدع في غنائها، نظراً إلى صوته الشجي.

وتُعد أغنية «يا غزال»، التي قدَّمها على مسرح التلفزيون، أول وأشهر أعماله الفنية، من كلمات لطفي زيني، وألحان طلال مداح، وسبباً لتعرّف الجمهور العاشق للطرب الأصيل عليه.

يقول عبادي في مذكراته: «أُعجب الفنان الراحل طلال مداح كثيراً بأدائي في اللقاء الذي جمعنا بتنسيقٍ من الفنان لطفي زيني، وهذه كانت انطلاقتي الحقيقية في عالم الفن».

راشد الماجد وصناعة النجومية

يُعتبر الفنان راشد الماجد من أبرز الأصوات التي قدَّمتها حقبة الثمانينيات الميلادية، ففي عام 1984م، سطع نجمه في سماء الأغنية السعودية، فبرز فنياً برغم صغر سنه (14 عاماً) لدى اعتلائه مسرح تلفزيون البحرين، والعزف على آلته الموسيقية المفضلة العود، وأدائه أغنية «يوه يا يوه» و«حلوة يا البحرينية». عندها اكتشف موهبته أستاذه حامد الحامد، ليبدأ في صقل موهبته، ويجعل منه علامة فارقة في تاريخ الأغنية السعودية، وأحد أهم الفنانين في الخليج والوطن العربي.

وفي إطلالته العفوية في البرنامج الغنائي «باب السندباد»، أبرز راشد إمكاناته الهائلة برغم وجود أسماء فنية سعودية كبيرة، بعدها قدَّم ألبومه الغنائي الأول «آه يا قلبي»، لينطلق في مسيرة نجاحٍ فنية عظيمة، ويصبح بحق «سندباد الأغنية الخليجية».

عبدالمجيد عبدالله وروعة الثمانينيات

شكَّلت الثمانينيات الميلادية مرحلةً مهمةً للفنان عبدالمجيد عبدالله، إذ شهدت بداية مسيرته الفنية، التي قدَّم خلالها 14 ألبوماً غنائياً. وظهر عبدالمجيد للمرة الأولى أمام الجمهور بعمر 13 عاماً من خلال إحدى حفلات الأندية السعودية، ويُعد الملحن سامي إحسان من أوائل مَن لحَّنوا للفنان عبدالمجيد عبدالله، كما سانده بقوة، وقدَّمه إلى الساحة الفنية.

وفي إطلالته الأولى في القناة السعودية، أدَّى عبدالله عبر مسرح التلفزيون في جدة، عام 1983م، أغنية «لا يهمك». يومها قدَّمه إلى الجمهور«فنان العرب» محمد عبده، ليبدع عبدالمجيد في وصلته الغنائية، مستنداً في ذلك إلى إحساسه المرهف.

رابح صقر والجلسات الغنائية

أما الفنان رابح صقر، فانطلق بشكل مغاير، مطلع الثمانينيات الميلادية، إذ استغلَّ الجلسات الغنائية لتقديم فنه، وقد طرح صقر ألبومه الأول عام 1982م، وحمل عنوان «يا نسيم الليل»، ولحَّن أغانيه كلها ليبرز قدراته العالية في مجال التلحين أيضاً.

وفي تلك الحقبة، اعتلى رابح مسارح الأندية مرّات كثيرة، وشارك بنشاط في الجلسات الغنائية، ما ساهم في صقل موهبته، وعام 1986 تمكَّن من إصدار ألبومه الثاني «أنا والليل» من كلمات أحمد عبدالحق وألحان رابح، وظهر معه في الجلسة الغنائية الفنان الراحل طلال مداح، الذي حضر لمساندته. في هذه الجلسة بمناسبة عيد الفطر، غنَّى رابح «أنا والليل والقمرة» الأغنية التي لاقت انتشاراً واسعاً، وساهمت في معرفة الجمهور له، ليواصل رابح بعدها نهجه الفني، ويصبح بحق نجم الجلسات الفنية.

النقاد

حققوا الانتشار لصدق فنهم


وفي هذا الجانب، تحدث الملحن الدكتور سامي الخليفة عن البدايات، قائلاً: «إنها خالدة، لأنها تحمل كلمات رائعة، وألحاناً أروع، وقُدِّمت بأصوات جميلة، لذا سكنت قلوب المستمعين جيلاً بعد جيل، فهي بحق أعمال فنية متميزة لا تجارية كالتي نسمعها ونشاهدها اليوم».

واختار الدكتور الخليفة أغنية «يا نسيم الليل» لرابح صقر، موضحاً: «أراهن على أن مستقبلاً فنياً كبيراً، ينتظر هذا الفنان المكافح، الذي تمكَّن من الوصول إلى مبتغاه بالصبر والجد والاجتهاد».

وتحدث الخليفة عن كيفية وصول هؤلاء الفنانين إلى النجومية برغم ضعف وسائل الإعلام وقتها، لافتاً: «في تلك الحقب، لم تكن هناك وسائل إعلام كثيرة كما هو عليه الحال الآن، ومع ذلك حققوا انتشاراً واسعاً عبر التلفزيون والإذاعة وأشرطة الكاسيت لصدق فنهم».

جزءٌ لا يتجزأ من ثقافة الأغنية السعودية

أما الناقد الفني عبدالرحمن الناصر الذي يملك باعاً طويلاً في تاريخ الفن السعودي، فأوضح أن الفنانين السعوديين «كانوا السباقين في نشر الثقافة الفنية بدليل احتفاظ شركة ميشيان الألمانية بعدد من الأسطوانات التي سُجِّلت للشريف هاشم العبدلي عام 1926م، وتسجيلات لـ «كوكب الشرق» أم كلثوم في الخمسينيات الميلادية. هذه هي الفترة الأولى من تحول الغناء الجماعي إلى الفردي، جاء بعد ذلك فنانون آخرون، مثل سعيد أبو خشبة وحسن جاوة وعبدالرحمن مؤذن وحسن لبني، وأثّروا في الساحة الفنية بأعمالهم الجميلة، ليُكمل المشوار من بعدهم جيل آخر، من أبرزهم محمد حلواني وطارق عبدالحكيم. كل هؤلاء قدموا الألوان الشعبية السعودية حتى جاء المبدع طلال مداح، وغيَّر لون الغناء التقليدي الشعبي بتقديم أول أعماله «وردك يا زارع الورد» التي تُعد علامة فارقة في هيكلة الغناء، وتحويله من النمطي إلى المبدع عام 1959، ما شكَّل الخطوة الأولى نحو تطوير الأغنية السعودية».

وأضاف: «في تلك الفترة التي سبق فيها طلال الجميع متفرداً بابتكاراته، ظهر فنانون آخرون، حاولوا منافسته، منهم سعد إبراهيم الذي قدَّم لوناً نجدياً جديداً، فكسب جمهوراً كبيراً، ومحمد عبده الذي أدَّى أغنية «خاصمت من عيني»، وأخذ يبحث عن عمل يقتحم به قلعة طلال مداح العالية». وتابع الناصر «هذه الأعمال النقية كانت سبباً في انتشار ثقافة الأغنية، واقتناع الجمهور بها. وبعد فترة، قدَّم طلاح مداح الفنان عبادي الجوهر عبر تلحين أغنيته الأولى «يا غزال يا غزال»، لينافس مَن سبقه من فنانين، ما ساهم في دخول عدد من الشباب الساحة الفنية، وإثراء الفن السعودي بتقديم ألوان غنائية عدة بشكل مذهل، بخاصة في فترة الثمانينيات، فبدأت الأغنية تأخذ طابعاً آخر بعد اعتزال طلال مداح، وتألق محمد عبده، منهم عبدالمجيد عبدالله، الذي برز إعلامياً قبل أن يقدم أغنيته «لا يهمك»، إذ شارك بقوة في الحفلات التي كانت تُقام في جمعيات الثقافة والفنون وفي الأندية الرياضية، ليأتي من بعده المتألق راشد الماجد، الذي قدَّم حفلة في نادي الاتفاق برغم صغر سنه، كما شارك في برنامجٍ في تلفزيون البحرين خاص بالصغار. وبعد اشتهاره، قدَّم راشد ألبوم «آه يا قلبي» عام 1985، وقبله سجل رابح صقر الشاب الموهوب أغنيته الشهيرة «يا نسيم الليل» في برنامج استديو رقم 1، الذي كان يقدمه محمد الرشيد المذيع الشهير». واختتم الناصر حديثه بالقول: «هذه الأعمال تعني لي ولغيري الكثير، لأنها جزءٌ لا يتجزأ من ثقافة الأغنية السعودية، وتنوع مصادرها، وتختلف كثيراً عن الأغاني السائدة حالياً التي تتشابه في كل شيء، ما يدفع الجمهور إلى العودة إلى البدايات الفنية في السعودية ليتمتع بالطرب الأصيل، حينما كان عشاق الفن يتابعون نجومهم عبر الإذاعة، والتلفزيون الذي كان يبث حفلاتهم، ويبحثون عن أخبارهم في الصحف، ويسألون عن جديدهم في محلات بيع أشرطة الكاسيت».