العنف الأسري وأساليب العلاج النافع

من الأمور المشينة التي بدت تظهر على ساحة الحياة الأسرية ويمتد أثرها لعدد من الأشخاص ظاهرة العنف الأسري ولا شك أن لهذه الظاهرة أسباباً أدت إلى حدوثها فلم يحسن رب الأسرة التعامل معها، ولذلك كانت آثارها خطيرة، بل ومدمرة وأفرزت هذا العنف الذي لا يقتصر على فرد بعينه، وربما شمل أفراد الأسرة كلهم، بل ربما تعداهم إلى غيرهم.في هذا التحقيق نلقي نظرة على تلك الظاهرة.

 

حول أسباب ظاهرة العنف الأسري بدأ الشيخ الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود، أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حديثه قائلاً: بالنظر في حالات العنف الأسري التي شهدها المجتمع يمكن التوصل إلى بيان الأسباب المؤدية لهذا العنف التي من أهمها:

- طبيعة الحياة وما تولده من ضغط نفسي لدى بعض الأسر:

فبعض الأسر تعيش في محيط مختلف، من حيث المستوى المعيشي، ويعتبر الفقر من أهم دوافع العنف الأسري، فهناك تباين شاسع في الحياة المعيشية وظروف الحال بين الأسر تبعاً للتفاوت الحاصل في المستوى المعيشي والاجتماعي، وكذا تفاوت الأسر من حيث الإنفاق، والدخل الشهري، وكثرة الالتزامات الأسرية، مما يولد لدى بعض الآباء والأمهات ردود فعل في حال إلحاح بعض الأولاد على العيش في مستوى معيشي أعلى خارج عن قدرة الأسرة، من دون اعتبار للمستوى المادي لتلك الأسرة، مما يولد الانفجار وعدم ضبط النفس ويحصل الاعتداء بالضرب أو الحبس أو الإهانة غير المحتملة، وهذا ناتج عن عدم فقه أفراد الأسرة وقلة الوعي لديهم وعدم الرضا بالقدر.

وقد ورد في كتاب الله تعالى عدد من الآيات تبين المنهج السليم في مثل هذه الحالات كما في قوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا).

فأين أرباب العقول الراجحة من الآباء والأمهات من هذه الآية وما تدل عليه.

- المشكلات الزوجية:

وهذا السبب غالباً ما يكون ضحيته الأولاد، فينشأ الخلاف بين الأب والأم على أتفه الأسباب حتى يصل الأمر إلى الطلاق أوالخلع ثم يأتي دور ضياع الأولاد وقد يتولى رعاية الصغار منهم من لا يرحمهم كزوجة الأب، فبعض حالات العنف الأسري من هذا النوع.

وقد تؤدي الخلافات الزوجية إلى وقوع العنف على الزوجة في الغالب والله تعالى يقول في كتابه العزيز (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ويقول الرسول: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» ويقول: «استوصوا بالنساء خيراً».

وقد ورد في القرآن الكريم المنهج السليم لعلاج حالات النشوز والنزاع والشقاق بين الزوجين ليتسم بالتدرج والعدل والحكمة كما قال تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) وقال تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما).

ففي هذا المنهج الرباني وقاية وحماية للزوجة من العنف الأسري الذي غالباً ما يقع عليها من الزوج.

 

 ضرر بدني ونفسي

ومن هنا يمكن القول إن العنف الأسري داخل الأسرة سلوك ومعاملة سيئة تلحق الضرر بالبدن والنفس، بل ربما يصل الحد إلى التعذيب والقتل، وهذا في غاية الوحشية وفقدان الضمير الإنساني.

ولو أعدنا النظر إلى منهج الإسلام في التعامل مع أفراد الأسرة لوجدنا أن الإسلام يحث على العلاقة الطيبة، والتربية الإسلامية التي تفتح للآباء والبنات طريق الحياة في المستقبل على مستوى عالِ من الأخلاق والصفات الحميدة، ومتى دعت الحاجة إلى التأديب فهو تأديب وتهذيب وليس تعذيباً، فقد نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن التقبيح وضرب الوجه، ومتى دعت الحاجة إلى الضرب فهو ضرب غير مبرح.

وغالباً ما يقع العنف الأسري على الأطفال إما بسبب شقاوتهم وعدم تجاوبهم لمطالب الأبوين، أو بسبب ضغوط نفسية في العائلة أو بسبب كره وحقد دفين من زوجة الأب أو زوج الأم. وهذه حالات فردية تزداد من وقت لآخر حسب ظروف العائلة والوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه.

وقد يؤدي العنف الأسري مع طول الزمان إلى الرغبة في الانتحار أو يجر إلى الانحراف والإجرام، فيكون هؤلاء الضحايا عالة على المجتمع، وقد أثبتت الإحصاءات أن (%60) من حالات العنف الأسري على الأولاد أدت إلى الهروب من المنزل، ويكمن الخطر إذا وقع العنف الأسري على الفتيات فإن هروبهن يهدد بخطر عظيم ويفتح باب الشر والفساد.

 

حنان الأبوة والأمومة

ومن هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، في تربية الأولاد ما يوطد العلاقة بين أفراد الأسرة ويسودها عامل الرحمة والشفقة والمحبة، ولا شك أن ذلك درع واق من حدوث الانفعال والعنف ومن ذلك: حنان الأبوة والأمومة الذي يزرع في الطفل منذ الصغر، فقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقبّل الحسن والحسين فلما رآه أحد الصحابة قال يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم فقال صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم لا يُرحم».

- ومن أسباب العنف الأسري على الأولاد: العقوق: وهي صفة ذميمة ومن كبائر الذنوب، فقد يولّد العقوق انفعال الأب أو الأم فيقع منهما ردة فعل تصل إلى العنف والإساءة في التعامل ومن كان ضحية العنف الأسري في الصغر مارسه على أفراد أسرته في المستقبل، حيث اعتاد الكره وحب السيطرة.

- تعاطي الكحول والمخدرات: وما لذلك من تأثير على العقل والسلوك.

وتأتي بعد ذلك الأمراض النفسية التي يعاني منها أحد الأبوين أو كلاهما فتتولد لدى الأب أو الأم الدوافع النفسية التي تقود نحو العنف الأسري.

وهناك أسباب اقتصادية وأخرى اجتماعية لها تأثير مباشر في انتشار العنف الأسري بين أفراد الأسرة. ومهما قيل في الأسباب فإنها لا تنحصر لكونها تتجدد حسب ظروف الزمن وأحوال الأسرة. وتجب المبادرة إلى إيجاد الحلول الكفيلة بإيقاف هذا العنف والحيلولة دون انتشاره وقطع جذوره وإعادة الحياة الهانئة والشعور الإنساني إلى أفراد الأسرة.

 

حل لمشكلة العنف الأسري

يقول الدكتور إبراهيم الحمود، الحلول حقيقة يسيرة ومنها:

- حث أفراد الأسرة على التراحم والترابط الأسري وفق تعاليم الإسلام الذي جعل المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً وهو لا يعرفه فكيف بأبيه وأمه وفلذة كبده.

- عرض المصابين بالأمراض النفسية من أفراد الأسرة على الأطباء المختصين لعلاجهم.

- نزع الولاية من غير الكفء إذا ثبت عدم كفاءته وإعطاؤها للأولى من الأقارب.

- وضع الجزاء الرادع لمن يصدر عنه العنف الأسري وتأديبه ليكون عبرة لغيره.

- إيجاد دور رعاية وإصلاح لضحايا العنف الأسري وتعويضهم عما فقدوه في أسرهم وإعادة بنائهم ليكونوا لبنة صالحة في المجتمع.

- يجب على المؤسسات العلمية أن تعي دورها في التوجيه وبيان مخاطر العنف الأسري، من خلال الدروس والمحاضرات والندوات، والتأكيد على قيم الإسلام وأخلاقه العالية، وآدابه في التعامل مع الآخرين، وما يتبع ذلك من ضوابط شرعية تفرضها المعاشرة بالمعروف والمجادلة بالتي هي أحسن.

- على كل مسؤول وذي عقل راجح أن يعي مسؤوليته تجاه مجتمعه، ويعمل جاهداً للحد من هذا السلوك الإجرامي الذي يفتك بالمجتمعات.

ولا شك أن المسؤولية العظمى تقع على المجتمع، فربما كان العنف نتيجة قصور المتابعة من المؤسسات الرقابية والأمنية. والحاجة داعية إلى التوعية بالأنظمة والعقوبات الرادعة، وإحداث برامج وقائية لحماية النساء والأطفال، خاصة  لوجود عامل الضعف في هذا الجنس البشري، فما من داء إلا له دواء.

 

داء مهلك

وتحدث الشيخ أحمد بن محمد العماري، الموجه التربوي للعلوم الشرعية وإمام وخطيب جامع الروضة بالرياض قائلا: لا ريب أن العنف الأسري داء عضال ومرض مهلك للأسرة ووراء هذا الداء أسباب أفرزته لعل من أهمها:

- ضعف الإيمان الذي يجعل أياً من الزوجين أو الأولاد يتجاوز حدوده المشروعة ويقع في الإثم ويعتدي على الآخر.

- الجهل بالحقوق الزوجية فإن ذلك يجعل المرء يتصور أن أمرا ما حق واجب وهو ليس كذلك أو العكس بأن يرفض الاستجابة لحق واجب عليه على أنه نافلة نتيجة لجهله بالحقوق الزوجية وما له وما عليه.

- التمادي في المشكلات الأسرية وعدم المبادرة لحلها فإن ذلك قد يفضي أحياناً إلى العنف الأسري.

- ضعف الصبر والاحتمال عند الرجال والنساء والتشدد في الحقوق فمثل هذا يولد العنف أحياناً.

- قلة العلم والتثقيف بالحياة الزوجية وتصور أي من الزوجين أن الحياة الزوجية حياة مخملية خالية من المشاكل أو المكدرات.

أما علاج هذه الظاهرة فأتصور أنه يكون بالأمور الآتية:

- أهمية التثقيف المبكر للزوجين قبل الزواج ومعرفة الحياة الزوجية وأنها لا تخلو من مكدرات وأن الواجب على كلا الزوجين مقابلة ذلك بالصبر والاحتساب.

- يجب على كلا الزوجين معرفة ما له وما عليه من حقوق وواجبات زوجية لكي لا يدع الواجب عليه أو يطالب الآخر بما لا يجب عليه.

- أن يعود المرء نفسه على الصبر واحتساب الأجر من الله بتذكر حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأنها لم تخل من كدر ونكد رغم صدقه وعدله صلى الله عليه وسلم.

- أن يتذكر كلا الزوجين حجم المخاطر التي سوف تترتب على هذا العنف وأثر ذلك على الأولاد في الحاضر والآجل.

- على كلا الزوجين أن يكونا قدوة للأبناء في الصبر والاحتمال والمسامحة والاعتراف بفضل الآخر والعفو والصفح فذلك شعار المؤمن الصادق في إيمانه.