اعتدنا على النعم

أميمة عبد العزيز زاهد

 

.لقد اعتدنا على النعم، حتى إذا سألنا أحد عن حالنا، قال البعض منا: لا جديد، ولم نستشعر أن الجديد في تجدد العافية وبقاء النعم، حينما سئل ابن المغيرة:

يا أبا محمد، كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا مغرَقين بالنعم، عاجزين عن الشكر.

يتحبب ربنا إلينا بالنعم، وهو الغني سبحانه، ونتمقت إليه بالمعاصي ونحن له محتاجون، مع الأسف يوجد بيننا الإنسان سوداوي المزاج، دائمًا يندب حظه، كثير الشكوى؛ فيشكو من لا شيء، أو أمور طبيعية جدًا، وهناك من يندب حظه السيئ ويعيش في ملل؛ فغيره لديه مال للخروج والشراء والتنزه والذهاب إلى مطاعم أو السفر، وينسى أن هناك في المقابل آخرين في المستشفى أو فاقدين حبيبًا أوفي السجون أو مشردين أو في حروب، وهو ولله الحمد، يجلس في منزله وبين أسرته بصحة وعافية، ينام ملء عينيه، ولكنه يظل يبحث عن شيء يفتقده ويرى نفسه محرومًا، ولم يستشعر بكل النعم التي هو فيها، لو عددنا النعم التي نحن فيها؛ فهي لا تعد ولا تحصى؛ فأي خلل في أجسادنا تصبح معه الحياة جحيمًا لا تطاق؛ فنِعم اللهِ تغمرنا كلنا كبشر، تأتي علينا لحظات نتمنى الأفضل، سواء في الجانب الصحي أو المادي أو المعنوي أو الاجتماعي أو في الشكل الخارجي؛ فليست النعم مقصورة على الطعام والشراب فحسب؛ بل هي كثيرة لا تحصى؛ فكل حركة من الحركات وكل نَفَس من الأنفاس، لله تعالى فيه نعم لا يعلمها إلا هو سبحانه؛ فهناك العديد والعديد من الرسائل التي نراها في كل وقت، ورغم ذلك نشتكي من أمور دنيوية؛ فهل فكرت وقدْ أنعم عليك الله بحضور عقلك؟ وهل تأملْت في بصرك، وفكرت في سمْعِك، هل نظرت إلى نفسك وأنت تمشي على قدميك وتستخدم يديك، أو ترى صفاء جلدك وبماذا تشعر، وأنْ تملأ معدتك من الطعام الشهي وتشرب من الماء البارد في بيت يؤويك؟ هل تظن أن تلك النعم بسيطة وموضوعها سهل؟ إذن تذكر من يعاني الجنون وقلة العقل، وبأنك سلمت من العمى أو ضعف النظر، وبأنك عوفيت من الصَّمم، وتذكر من يعاني من العرج والكساح والشلل، ومن يعاني من الرعاش أو الإعاقة أو من فقد يديه أو قدميه، وأن هناك الكثير ممن يعانون من أمراض جلدية أو من البرصِ والجُذامِ، وهناك من لا يتمكن من مضغ الطعام ونُغِّص عليه الشَّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ، وهل تعرف قيمة المأوى مهما كان صغيرًا أو كبيرًا؛ فإذا كان الإنسان منا يتمتع بحركته ولا يحتاج إلى من يحمله؛ فهذه ولله الحمد نعمة؛ فلا ننسَ النعم التي وهبنا الله إياها، ونقضي حياتنا نبحث عن نعم مفقودة؛ نبحث عما لم يقدره الله لنا ومنعه عنا لحكمة لا نعلمها، ونكدر أنفسنا وننسى ما نحن فيه، ولنستمتع بما لدينا من نعم، ونسأل الله من فضله ونشكره؛ فبالشكر تدوم النعم، قال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾.