رحيل وهمي

محمد فهد الحارثي
| لماذا عندما غادرتني لم تأخذ صورك وهمساتك وأنفاسك معك؟. كيف لك أن تغادر وتترك هذا الكم الهائل منك حولي، يحاصرني في كل مكان؟. مازلت هنا أراك في كل الزوايا، أسمع كلماتك مع كل لحن. أتأمل عينيك مع كل إشراقة صباح. رحيلك وهم، حضورك حقيقة. يا شخصاً علمني أبجديات الحروف، وحينما رحل ضاعت كلماتي. يا كياناً حدد خارطة حياتي, وعندما ابتعد ضاعت خطواتي. قالوا لنا إن الرحيل يعلمنا النسيان, وإن النظر إلى المساحات البعيدة يلغي الدائرة الصغيرة. أخطؤوا فلا الرحيل علمني النسيان، ولا المساحات استطاعت أن تلتهم الدائرة الصغيرة. كلما حاولت أن أنظر إلى المساحات البعيدة أكتشف أنني أسترق النظر إليك في خيالي، وأتأمل الآخرين لأثبت لنفسي حقيقة أنك الاختلاف. وأن المقارنات مع الغير ظالمة. أنت حالة استثنائية لا تنطبق عليك المقاييس العادية. أنت لم ترحل، بل أخذتني من الرحيل إليك. اختطفت كل العالم وأبقيت نفسك. و أنا معك في صراع الثنائيات. خيار يفرض نفسه: إما أن تأتي, أو رد لي عالمي؟. وحدك من يصنع الفرق، حضورك يصنع للمكان روحاً، ويرسم للفضاء ألواناً جديدة. وأنا عالمي يفقد إيقاعه وأنت بعيد. حينما لقيتك اكتشفت مساري. اعتقدت أنني اكتشفت طريقي، وأنني رسوت على مينائي الأول والأخير. ألغيت صلتي بعالم ما قبلك، وربطت مستقبل الغد بمصيرك. حسمت أمري في خياراتي، أنت أو لا أكون. فلا تتعبني في عالم الاحتمالات. كلما حدثت نفسي بالرحيل، خانتني نفسي، وذهب بي إليك الحنين اليوم الثامن: ما الذي يحصل في عالمي؟... بعدما أخرجتك وأغلقت الباب وجدتك في كل الأماكن تنتظرني.