لم أعد أكتب

سلمى الجابري
 

ماذا سنكتب بعد؟ فاللغة لم تعد كافية لسد هذا الفراغ، لم تعد كافية لأي شيء، سوى لاجترار الذكرى.

ولأني امتلأت بالأوراق، ببقايا الحبر والأقلام، تركت الكتابة، واختلاق الأخيلة، تركتها كمن تركوني أجابه هذه الوحدة بمفردي، ابتعدوا عني فجأة، وعلى دفعةٍ واحدة، لم أشعر بهذا العدم، إلا حينما قصمني الفقد رغمًا عن رسائلي الطويلة، عن عتابي، وعن بكاء الليل وبكائي، رغمًا عن وقوفي المتكرر أمام نوافذ الحنين، رغمًا عن أكواب القهوة وقطع الحلوى التي بقيت صامدة رغمًا عن انتظارها.

وعلى سبيل التجربة، لا أذكر بأني قد نجحت في الحفاظ عليهم قط، كنتُ أول المغادرين، وآخر من يبحث عن طريقٍ للعودة، وهذه كل مأساتي.

لم أعد أملك الحق في توجيه الكلام إليهم، فالذنب ذنبي، أنا من كانت تعاني من تعقيداتها، من مشاكلها الواهية، كي أمرر حججي عبر شقوق الغياب وأختفي، لكن لأول مرة لم أكن من رحل عنهم، بل هم من فعلوا، وهذا الأمر مدعاة للضحك يا قلبي.

تتوالى الخيبات علينا، بقدرِ ما اقترفناه منها.

لم أعد أكتب، لأن لا أحد سيقرؤني بعينِ قلبه، كما فعلوا هم..