بين الظلال والنور

محمد فهد الحارثي


كلما سرت خطوة في ذاك الاتجاه، قادني قلبي إليك في الاتجاه الآخر، وكأن الزمن يتضامن معك، فكل لحظة أمضيها بعيدًا عنك أكتشف كم أنت مختلفة، وكم أنا محظوظ. حينما تأخذني خطوات بعيدًا عنك، وأسمح لنفسي برؤية الجانب الآخر، تتأكد الحقائق أمامي. الزيف لعبة قصيرة، غطاء باهت للحظات مغشوشة. الزيف كله مساوئ، حسنته الوحيدة أنه يكشف قيمة الصدق.
هذه الألوان والضوضاء ما كانت إلا لتضع البصمة الأخيرة على حقيقة ترسّخت في داخلي. السعادة لا تأتي ضمن شروط الصفقات والمصالح، بل هي في الصدق والمعادن النقية، بين كل هذا الضباب الذي يحوم في المكان، تشعر بأن الزمن مهدر، وأن القضية رهان على وهم خاسر، وحينما تبرز صورتك، تخفت الضوضاء، وتتحول العتمة إلى وهج من النور. صورتك لا تماثل بقية الصور، تتقزم الأشياء بجوارها، ويخجل الكذب، ويهرب الزيف.
وحدك التي تحملين النقاء في عالمك، تترفعين عن الصغائر، وتتجاوزين عن توافه الأمور. ببساطتك وعفويتك تتجاوزين كل المظاهر الخادعة، لا يستغرق ذلك منك مجهودًا؛ كونك «أنت» فقط يكفي لإسقاط كل الأقنعة عن الآخرين، تتجسد حالة التضاد في أقصى صورها. نور ساطع وظلام كريه. صعبة المقارنات بين الأشياء المتنافرة. أنت حالة منفردة صعبة التكرار.
الزيف يخدع ويمنح الوهم الوقتي، وأستغرب لماذا الرجل الشرقي ينجذب للزيف والخداع، ويكون ضحية يتم استغلاله فيها، وكأنه يفقد العقل ويفتقد المشاعر، لماذا يصرّ الرجل الشرقي على ترك منابع المياه النقية؛ ليرتوي من مياه ملوثة تصطاده بخداع الألوان الرخيصة؟!
خطواتي التي كنت أظنها في الاتجاه البعيد قادتني إليك أكثر. كل التفاتة في الجهة الأخرى رأيت الظلال وافتقدت النور. نحن نمتلك أجمل الأشياء وأنقاها، ولكننا لا ندرك قيمتها إلا حينما نفتقدها ولو للحظات، أعترف لك حينما عدت إليك بأنني التقيت نفسي..
اليوم الثامن:
وجه الشبه بين الأصباغ والزيف
أن كليهما حالة مؤقتة..
بينما الصدق والنقاء حالة دائمة.
@mfalharthi