هل تتجه الأسواق نحو غليان الأسعار مجددا؟

رصدنا في الأسابيع القليلة الماضية حالة جديدة لم تكن موجودة بالسوق في الفترة الماضية التي تسبق تلك الأسابيع، وهي حالة تتلخص في ارتفاع وعدم استقرار أسعار بعض مواد البناء وعلى رأسها حديد التسليح والذي يعتبر العنصر الأهم في العناصر المؤثرة على أسعار مواد البناء ككل وبالتالي على أسعار العقارات بشكل عام، وقد مرت هذه الحالة بأسواق المملكة، وبالأسواق الخليجية في السابق ولا تعد سابقة جديدة فقد طال تأثير هذه الزيادة السابقة وأثر على أسعار كل مواد البناء وبالتالي العقارات لتنتقل العدوى بشكل سريع وسرطاني ليطال مختلف المجالات والسلع على اعتبار أنّ العقارات واحد من أهم القطاعات التي تؤثر على مختلف القطاعات الأخرى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فهل ستعيد مواد البناء الكرة وتدخلنا في دوامة ارتفاع الأسعار من جديد؟؟

للإجابة على هذا التساؤل توجهنا لأستاذ علم الاقتصاد معاذ بن إبراهيم الغامدي:

 

التحليلات العلمية والأرقام تقول إنّ أسباب ارتفاع أسعار الحديد تنقسم إلى شقين أولهما: أسباب عالمية دولية تتركز في ارتفاع أسعار المواد الخام المكونة للحديد، فقد أعلنت الشركات الثلاث العالمية والرائدة في مجال تعدين الحديد وهي شركة فال، وشركة بي.أتش.بي بيليتون، وأخيراً شركة ريو تينتو بدء التحرك لتعديل النظام القياسي السنوي لتحديد الأسعار ليصبح بعد ذلك ربع سنوي بدلاً من سنوي مما يجعله أكثر حساسية واستجابة للتحرك نظراً للعرض والطلب، وعليه وبناء على هذا القرار فقد ارتفعت مباشرة أسعار كريات الحديد (البيليت)، وباعتبار المواد الخام تشكل ما نسبته 90% من أساس أسعار الحديد المصنع بجانب الكهرباء والغاز والأيدي العاملة والتكاليف الإضافية الأخرى التي تشكل العشرة بالمئة المتبقية، فقد ارتفعت أسعار الحديد بشكل مباشر بعد هذا القرار وعلى مستوى العالم تقريباً.

أما ثانيهما فهي أسباب محلية نابعة من بعض ردود الأفعال للشركات أو التجار حيث قام البعض من هؤلاء بمحاولة استغلال عدم الاستقرار في الأسعار من ناحية فيما حاول البعض الآخر محاولة تأمين رأس ماله وذلك بالبيع بالأسعار المرتفعة خوفاً من إضراره مستقبلاً عند الشراء بأسعار مرتفعة، وفي كلتا الحالتين فإنّ الضحية كان المستهلك الذي اضطر للشراء بأسعار مرتفعة أكثر بكثير أحياناً من حتى الأسعار التي أقرتها الشركات المصنعة.

هذا بالإضافة طبعاً لزيادة الطلب على الحديد وبقية مواد البناء نتيجة الحجم الضخم وغير المسبوق للمشاريع التي تم طرحها من قبل الحكومة وبعض الشركات الكبرى والتي رفعت من حجم الطلب بشكل كبير جداً مما أثر على توفر هذه المواد بالأسواق لتكون سهلة التأثر بأي مستجدات تطرأ عليها كتلك التي حدثت وأدت لارتفاع أسعارها.

 






مدى تأثير ارتفاع الأسعار مواد البناء

يقول أستاذ العلوم الاقتصادية:" إنّ ما حدث مستقبلاً وما هو متوقع له أن يحدث في حال استمرت أسعار الحديد بالارتفاع هو أن تتأثر بقية القطاعات والسلع بذلك، والسبب يرجع إلى أنّ قطاع العقارات هو القطاع الأكبر والأضخم، وهو بطبيعة الحال القطاع الذي سيتعرض لتأثير مباشر من غلاء أسعار مواد البناء، وبتأثر قطاع العقارات ستتأثر أغلب القطاعات الأخرى وذلك لاعتمادها عليه وارتباطها به بشكل أو بآخر، فالعقار هو المنزل ومقر الشركة والمستودع والسكن الخاص بالعمالة وغيرها وبالتالي فمن البديهي أن ترتفع الأسعار نتيجة لازدياد التكاليف.

 

من وجهة نظري لابد من وجود حماية للمستهلكين حيث إنهم الحلقة الأضعف في هذه الدائرة، ونحن نعلم أحياناً كثيرة أنّ ارتفاع الأسعار يكون بشكل إجباري كما حدث بالنسبة لأسعار الحديد وارتفاعه في الأسواق العالمية كمواد خام، ولكن حماية المستهلك تكون بتنظيم هذا الارتفاع وإعلان أسعار البيع التي يجب أن يلزم بها كل من يبيع هذه المواد، كما ويفترض أن تكون هناك فترة يأخذ المستهلك فيها حذره ويستعد لارتفاع الأسعار، ومن المفترض أن يحاسب كل من يحاول أن يقوم باستغلال عدم الوضوح أو عدم الاستقرار في الأسعار كنوع، أيضاً، من أنواع توفير الحماية للمستهلك، ولا نعني هنا أنّ هذه القوانين غير موجودة أو غير معمول بها ولكن ما يفترض أن يتم التركيز عليها خاصة في ظل ظروف كالتي تمر بها الأسواق حالياً.

كثير من المستهلكين، في ظل ظروف كالتي تمر بها أسعار المواد الآن، يحاول أن يقتني كل كميات الحديد التي قد يحتاجها بالمستقبل وهذا ينطبق أيضاً على بعض شركات المقاولات مما يساهم بزيادة الطلب وتأثر الأسعار بشكل أكبر لنجد في النهاية أنّ كمية الطلب في مثل هذه الظروف تكون غير حقيقية ولا تعكس حجم الطلب الحقيقي والحاجة الحقيقية للأسواق، فبمجرد حدوث بوادر أزمة نجد أنّ الأسواق تتعطش للمنتج ويصبح وجوده شبه مستحيل، ويكون الطلب عليه مرتفعاً نظراً للخوف الذي يصاب به المستهلكون والشركات الصغيرة على حد سواء حيث إنّ كليهما لا يحتمل الخسارة وغير مؤهل أيضاً لاحتمالها. والمطلوب في هذه الحالة أن تقوم الشركات المصنعة بنشر حالة من الأمان من خلال طمأنة المستهلكين حول الأسعار أو حول المرحلة القادمة".