د. عبد الرحمن الحازمي: سبيل نبينا هو الطريق الأمثل لتربية سليمة وصحيحة


من الأمور التي تشغل بال الأسرة، لاسيما هذه الأيام، ما يتصل بموضوع الأولاد والإحسان في تربيتهم، خصوصا مع كثرة المتغيرات وتداخل الثقافات وكثرة مشاهدات الأبناء، سواء في البيت أو الشارع أو المدرسة، عبر وسائل التقنية، لعادات تختلف عن عاداتنا وسلوكياتنا، وللحديث حول التربية، خصوصا تربية الأبناء وهمومها التقينا فضيلة الشيخ د. عبد الرحمن الحازمي، مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة مكة المكرمة.


 

ما مدى أهمية الحديث عن الأسرة وتربية الأبناء؟ وهل هناك بالفعل معاناة من الأسر المسلمة وهي تربي أبناءها؟

 

ـ وهو موضوع مهم جداً وخطير جداً، لأن الأسرة هي المحتضن الأول للتربية وهي نواة المجتمع، فإذا استقام حال الأسرة وصلح أمرها، استقام المجتمع وصلح أمره، ولا بد من الاعتراف بأن الأسرة المسلمة بدأت تعاني كثيراً في تربية أولادها والشباب بدأ يثير قلق المهتمين به، وذلك كله نتيجة عوامل عدة لعل أبرزها:

1 ـ غير المسبوق في وسائل الاتصال المختلفة وما يبث عبر ذلك من غث وسمين.

2 ـ ضعف وقصور واضح في الأسرة، ممثلة في الوالدين في تربية الأولاد.

3 ـ انحراف بعض الشباب المسلم عن وسطية الإسلام المنشودة.

4 ـ الخلل والقصور الواضح في بعض وسائط التربية الأخرى في المجتمع (الإعلام ـ المدرسة ـ النادي ـ المسجد).

 

أصناف الآباء

 

كيف ترون واقع تربية الأولاد اليوم من وجهة نظركم؟

ـ لا شك أن مسؤولية الوالدين في تربية أولادهما مسؤولية عظيمة وأمانة جسيمة للغاية، وأي تفريط لا قدر الله فيها ستترتب عليه نتائج سلبية في غاية الصعوبة، وليس هذا تضخيما للأمور، بل هي الحقيقة التي يعرفها كثير من الناس ممن سبر غور هذا الموضوع واطلع على نتائجه الإيجابية والسلبية.

والمطلع على توجيهات الشارع الحكيم، يتضح له بجلاء أهمية تربية الأولاد وضرورة المحافظة عليهم من الزيغ والضلال، ومن ذلك: قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)، وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع ومسؤول في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها،.. الحديث»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».

والناظر المتأمل للممارسات التربوية الواقعية للوالدين تجاه أولادهما، يلحظ أنها تدور حول أصناف عدة هي:

أولاً: صنف من الآباء يرون تلبية احتياجات الأولاد أياً كانت وهو مطلب أساس في التربية، أو هي كل التربية، فعلى سبيل المثال: إذا أراد الأبناء السفر إلى الخارج لبى طلبهم، وإذا أرادوا السهر خارج البيت مع رفقة غير معروفة لبى طلبهم، وإذا أرادوا شراء سيارة معينة لبى طلبهم، وإذا أرادوا تناول طعام معين لبى طلبهم، وهكذا، فكل مطلب لأولاده محقق على الفور دون ما عناء أو أخذ أو عطاء.

ثانياً: صنف آخر من الآباء على العكس تماماً من الصنف الأول، لا يكاد يحقق لأولاده مطلباً البتة، وإن تحقق مطلب معين لهم كان في أضيق الحدود وبأسلوب يشوبه المن والتوبيخ والتقريع.

ثالثاً: صنف آخر من الآباء ليس من هذا النوع ولا من ذاك، فتجده يترك التربية لغيره، مثل: الخدم، الإعلام بوسائله المتنوعة، الشارع، النوادي.. الخ، المهم لديه أن يقدم لهم جزءا من دخله الشهري كمصروف للأكل والشرب والملبس دون ضابط أو اهتمام أو متابعة.

وتجدر الإشارة بالتأكيد إلى أن هذا لا يعني عدم وجود صنف رابع على قدر من حسن الرعاية والتربية وفق ضوابط التربية الإسلامية السليمة، لكن أحببت الإشارة هنا فقط إلى الممارسات التربوية السلبية في تربية الأولاد للفت الانتباه إليها ومعالجتها.

وفي الحقيقة المتأمل للأنواع التربوية السابق ذكرها، يتضح له خللها وقصورها وضعفها، لتركيزها على جانب دون آخر، وبالتالي بعدها عن شمولية التربية الإسلامية الصحيحة، وللأسف ما نشاهده اليوم من سلوكيات سلبية متنوعة لبعض شبابنا هو انعكاس لهذه الأنواع من التربية غير السليمة.

 

 الجانب التطبيقي

 

بعد هذا العرض الواضح البين لواقع تربية الأولاد إذن كيف ترون العلاج لهذه الأنماط السلبية التي ذكرتموها؟

ـ من وجهة نظري الخاصة أرى أن التربية عملية ليست سهلة، والجانب التنظيري فيها سهل، الكل ربما يستطيع أن يدلو بدلوه، لكن ما يهمنا هو الجانب التطبيقي في التربية، خصوصا هذه الأيام وما نمر فيه من متغيرات متداخلة ومتنوعة وربما تصل بالبعض إلى درجة الحيرة أحياناً كثيرة، والحل في نظري يكمن في أهمية استشعار الآباء عظم الأمانة الملقاة على عواتقهم، وأنهم سيسألون عن تصرفاتهم وسلوكياتهم تجاه رعيتهم، لذلك يكون من المناسب الإشارة إلى بعض الأساسيات المهمة في تربية الأولاد، ومنها:

أولاً: الدعاء المستمر بطلب الإعانة والتوفيق لتربية الأولاد التربية الصالحة وتحري أوقات الاستجابة في ذلك، والأدعية المأثورة في ذلك كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة .

ثانياً: الإقتداء برسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم في كل سلوكياتنا وتصرفاتنا فحياته صلى الله عليه وسلم هي خير نبراس لنا للسير في معترك هذه الحياة، خصوصا هذه الأيام، ويكفينا لترسم خطى نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

ثالثاً: تعاون الوالدين في التربية وأن يكونا قدوة حسنة لأولادهما في كل تصرفاتهما القولية والفعلية، فلا يصدر منهما توجيه وهما لا يطبقانه على نفسيهما.

رابعاً: الحرص التام على متابعة أداء الأبناء للصلاة جماعة في وقتها وفي المسجد، امتثالا لقوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى). وقال صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع»، مع توضيح أهمية الصلاة ومكانتها وعدم التهاون فيها، والمحافظة الكاملة على أركانها وواجباتها وشروطها وسننها.

خامساً: تربيتهم على وجوب الطاعة لولاة الأمر ممتثلين قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) مع توضيح نتائج مخالفة ذلك والآثار السلبية التي تعود على المجتمع بسبب ذلك.

سادساً: تعويدهم على تحمل جزء من مسؤوليات البيت بصفة دائمة.

سابعاً: الاهتمام بإشراكهم في حلقات تحفيظ القرآن الكريم منذ نعومة أظفارهم مع متابعة حفظهم وتشجيعهم ومكافأتهم.

ثامناً: الحرص على اختيار الأصدقاء الصالحين، والبعد عن رفاق السوء، ومتابعة ذلك بصفة مستمرة.

تاسعاً: إبعادهم عن النظر والتعلق بالأفلام الساقطة وسماع الأغاني التافهة التي تتسابق عليها الكثير من القنوات الفضائية اليوم، والحرص فقط على متابعة البرامج الهادفة.

عاشراً: محاولة إشغال أوقات الفراغ بكل نافع ومفيد من رياضة ورحلات وسماع المحاضرات والدروس والأناشيد الإسلامية وقراءة الكتب النافعة.

الحادي عشر: أهمية إشاعة الحوار بين أفراد الأسرة وتعويدهم على مناقشة وطرح الموضوعات الدينية والاجتماعية ومحاولة الوصول إلى حلول مناسبة من منظور شرعي.

الثاني عشر: توجيههم إلى البعد عن التشدد والغلو في الدين والتمسك بالمفهوم الوسطي للإسلام على ضوء فهم العلماء الراسخين والمعتبرين.

الثالث عشر: التحذير من التعلق بثقافات غير المسلمين كتقليد الغرب في أخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم لمنافاة جلها للدين والقيم والمبادئ الإسلامية، مع الحرص على اقتباس ما توصلوا إليه من المخترعات والمكتشفات سبيلها العلم والصبر والجد والاجتهاد لحاجة أمتنا الإسلامية لذلك.