هل تفقد المرأة هويتها وشخصيتها بعد الزواج ممن تحب؟

عندما تحب المرأة رجلًا وتتزوجه، من الشائع الشعور بضرورة الغوص في عالم هذا الرجل الذي تحب، فهي ترغب في معرفة الأماكن التي يحب التردد عليها ومعرفة نوع الموسيقى التي يهواها، والتأقلم مع عاداته وتنفيذ جميع رغباته، بما في ذلك بعض العادات التي كانت ـ هي شخصيًا ـ تكرهها قبل الزواج، ولكن يجب على المرأة الانتباه إلى أن هناك حدودًا للاندماج في شخصية الزوج، وكذلك هناك فرق شاسع بين التشارك في الحياة والتغير إلى حد فقدان هويتها وشخصيتها لإرضاء الزوج .. فكيف ذلك؟

 

فقدان المرأة لهويتها وشخصيتها بعد الزواج من رجل تحبه ظاهرة شائعة في العالم الشرقي، توقفت عندها «سيدتي» لرصدها، وسألت الدكتورة باميلا فيردوغو (46 عامًا) رئيسة قسم علم النفس في جامعة (يونيبان) في مدينة ساو باولو عن هذه الظاهرة فردت بالقول: «إن الظاهرة موجودة في مختلف دول العالم، وسببها هو الحب غير العقلاني، فالحب عاطفة إنسانية، والغوص فيها معقد ويعتمد على خصوصية كل امرأة، فالحب إن لم يكن عقلانيًا، تنجم عنه حالات ربما تبعث على القلق، ومن أهم هذه الحالات فقدان المرأة لهويتها وشخصيتها بسبب حب غير عقلاني لرجل.

وعدم العقلانية في الحب في رأي باميلا يؤدي إلى عذاب النفس والروح والجسد، وعلّقت: «نعم إن الحب، وإن كان عاطفة نبيلة يريد الجميع بلوغها، فإنه قد يدمر حياة امرأة، وفي أبسط الحالات يفقدها هويتها وشخصيتها»، وأوضحت في حديث مع «سيدتي» أن ظاهرة الاندماج في شخصية الآخر تتواجد بكثرة عند النساء، لأنهن الأكثر عاطفية من الرجال، فإذا كان الرجل يحب بعقله وغرائزه فإن المرأة تحب بقلبها.

 

في بداية الزواج

طبقًا للدكتورة باميلا، فإن ظاهرة فقدان المرأة لهويتها وشخصيتها يمكن أن تبدأ بالظهور حتى أيام الخطوبة، أو في بداية العلاقة الزوجية، وبالتحديد عندما تكون عاطفة الحب في أوجها، والمقصود هنا هو حب المرأة غير العقلاني للرجل، ومع مرور الزمن تبرز الاختلافات في المواقف والآراء، ومع الوصول إلى هذه المرحلة تبرز أهمية الابتعاد عن التطابق في المواقف في كل شيء، ويصبح من المرغوب فيه وجود اختلافات في الرأي والذوق والغرائز بين الرجل والمرأة. ويتسبب هذا في:

> عدم شعور المرأة بالأمان وانعدام تصميمها على الموقف. > إذا غرقت تمامًا في حب زوجها بشكل غير عقلاني قد تفقد شخصيتها لدرجة عدم معرفة البداية من أين؟ والنهاية إلى أين؟ > تتحول كل محاور أغراضها لإرضاء الرجل «الزوج».

 

المرأة: من أنا؟

تبدأ المرأة بإظهار نفسها على أنها مستعدة لفعل كل شيء يرغبه ويريده زوجها الذي تحب، حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى التعدي على المبادئ والقيم التي تؤمن بها، وتربت عليها عند أهلها، هذا يحدث لأن العلاقة التي تربطها به ليست آمنة ومضمونة مائة بالمائة، فيبرز خوفها من أن الزوج سيتركها، فقط لأنها لا تلبي جميع رغباته ولاتراعي ذوقه في كل الأمور.

تتابع الدكتورة باميلا: «العلامات الأولى لفقدان المرأة لهويتها وشخصيتها بسبب حبها، يمكن أن تبدأ حتى قبل الزواج، لأن المرأة التي أحبت رجلًا إلى أبعد الحدود لا تحاول أن تسأل نفسها: من أنا، بسبب اندماجها في شخصية الآخر ومحاولاتها المستمرة الموافقة على كل موقف يبديه لكي تنتهي العلاقة بالزواج، هذا يحدث بكثرة عند النساء الشرقيات، وهو السبب الذي يؤدي إلى تعقيدات مع مرور الزمن ويتحول الحب إلى أمر طبيعي».

 

مشاعر خانقة

ترى الدكتورة باميلا أنه من الطبيعي، وبالرغم من الحجم الكبير لحب الزوجة لزوجها ألا يكون هناك توافق كامل مع الشريك، ولكن الخشية من هجر الحبيب لها، فالمرأة قد تتخلى عن كل شيء لكي لا تعارض آراء الزوج، وفي هذه الحال يتوجب عليها أن تتأكد أنها لا تدخل في لعبة القيام بأي شيء لإرضاء الآخر، فهذا متعب ولا يدوم طويلًا، إلا إذا كانت المرأة مستعدة لفقدان هويتها وشخصيتها بشكل كامل.

وتابعت تقول: «على المرأة أن تظهر لشريك حياتها حقيقة ما تفكر وما تشعر به منذ البداية، لكيلا يتحول رضوخها المستمر إلى أمر يتعود عليه الزوج، ويصبح جزءًا من متطلباته في الحياة الزوجية، ويتحول كل شيء إلى مشاعر خانقة بالنسبة للمرأة، وما يساعدها على فك هذه العقدة هي المحاورة الصريحة بينها وبينه، لرسم الحدود بينهما بشكل يعبر كل منهما عن آرائه واعتقاداته وقيمه في الحياة ضمن الحدود المرسومة».

حسب باميلا، من العلامات الأخرى الخطيرة في هذه الظاهرة هو أن تساير المرأة شريك حياتها مع عائلته وأصدقائه، حتى إن كانوا مملين وعلى خطأ، المسايرة المستمرة تعني التخلي وبشكل متعمد عن الأفكار والمبادئ والقيم الشخصية، وأضافت: إن الزوجة المسايرة في كل شيء تشعر بالعزلة، لأنها تبدو وحيدة، بالرغم من مشاركتها الآخرين في كل شيء، أي أن الشعور بالحرمان من امتلاك حرية القرار، والتعبير عن المبادئ والأفكار والقيم الخاصة بها يفرض نوعًا من العزلة، من حيثُ أن الآخرين لايشعرون بشخصيتها المسايرة في كل شيء، لأنه لا رأي لها في الواقع، وما يصدر عنها يبدو مجرد انعكاس لما يفعله الآخرون».

 

التغير المرئي

من الحالات الأكثر تطرفًا من حيثُ فقدان المرأة لهويتها وشخصيتها هو ارتداء الملابس دومًا طبقًا لذوق الشريك، فبرأي باميلا أنه ليس من الخطأ أن تراعي المرأة شعور زوجها في ارتداء ما يحب من الملابس، لكن هذا يجب ألا يؤدي إلى إلغاء ذوق الزوجة بشكل كامل، فإذا كان الشريك يحبها أيضًا يجب أن يتقبل إلى حد كبير طريقة اختيارها لملابسها ومراعاة ذوقها أيضًا.

وقالت: «إن فقدان المرأة لشخصيتها وهويتها يتم داخليًا وخارجيًا، المقصود داخليًا هو تخلي المرأة عن المبادئ والقيم لإرضاء الزوج، أما خارجيًا فالأمر يعني طريقة اللبس واختيار الملابس، وأضافت: إن هوية المرأة أمام زوجها والآخرين تتحدد اعتمادًا على قوة شخصيتها أصلًا، فإن كانت تتمتع بشخصية قوية فهي لن تتنازل عن مبادئها وقيمها فقط لإرضاء الآخرين.

 

لا تنحني

في ثقافتنا العربية والخليجية بالذات نجد أنّ المرأة تفقد الكثير من هويتها أثناء الخطبة، وقبل عقد القران لافتقادها مسبقًا التعبير عن عاطفتها وعن احتياجها، وكأنها تنتظر مجيء الخاطب لتمارس حبًا غير عقلاني، تبوح من خلاله بكل تفاصيل تفاصيلها لخطيبها، دون قيد أو سقف، فتجد نفسها تعلقت بكل أسف تعلقًا مرضيًا، فلا ترى ما يجب أن تراه، ويبدأ تنازلها إرضاءً له، للدرجة التي قد تتخلى عن عملها أو دراستها في بعض الحالات، وكأنّ الزواج نهاية الدنيا مع زوج أتى بثقافة لا ترى في الزوجة ندًا، وتكاملًا لا يفقد الآخر بما يتسم به، وبمجرد إنهاء مراسم العقد يحملها لداره من ضمن ممتلكاته لتكون تابعة تسعى إلى ما يرغبه أو يريده، وتفعل بل تنحني ولا تعرف في نشوة الفرح بالزواج أنّ من ينحني مرة سينحني ألف مرة.

وفي اعتقادي أنّ إدراكها لفقد هويتها، بل سحق وجودها يأتي متأخرًا بعد أن تعيش في دوامة القلق وأعراض اضطرابات النفس والجسد، حيثُ نجد الزوج في ثقافتنا رغم أنها ذابت في هويته وصاغها وفقًا لمتطلباته لم تعد تثيره، ولم يعد يعبأ بأبسط حقوقها، فيكون خوفها من الهجر أو حتى الزواج عليها فتزداد تنازلًا، وفي مثل تلك الحالات التي وصلت لفقد هويتها لن تجدي النصائح، وإنما تكون بحاجة إلى إعادة تعاملها معه تعاملًا مختلفًا كي تعيد لنفسها تدريجيًا بعض الذات لذاتها مع مختصة تكسبها مهارة التواصل مع زوجها.

 

نصائح قبل أن تتزوجي

كوني عقلانية في تواصلك مع الآخر.

لست مطالبة بالتنازل عن أشياء تؤمنين بها أو تضعينها ضمن شروط الزواج، فاحفظي حقك.

أعطي الزوج بقدر ما تأخذين، وتمسكي بخصوصياتك، وهواياتك وصديقاتك كي يشعر الزوج أنه أمام إنسانة لها كيانها، ولها استقلاليتها.

الزواج حقوق متبادلة كفلها المشرّع لاستقرار العلاقة الزوجية، فتعرفي عليه من خلال اطلاعك على القانون.