البروفيسور اللبناني الأميركي ناجي خوري:

تكاد لا تخلو أية مطبوعة طبية أميركية من معلومات حول كيفيّة الوقاية من سرطان الثدي، وتمتدّ الحملات التوعوية في هذا المجال إلى بقاع شتى من العالم، وتشدّد على أهمية أن تكون المرأة على دراية تامة بثدييها، تقوم بالفحص الذاتي بصورة دورية ولا تتردّد في استشارة طبيبها حين تلاحظ أمراً مقلقاً، إذ كلّما كان الكشف مبكراً ارتفعت نسبة الشفاء. وإذ يحلّ سرطان الثدي في المرتبة الثالثة على صعيد السرطانات الأكثر انتشاراً، من المرجّح أن تصاب مليون امرأة هذا العام به، علماً أن الأرقام الخاصّة بالشرق الأوسط في هذا المجال ليست دقيقة لغياب سجلّ للأورام في بعض الدول، ولو أن 80% من الإصابات بسرطان الثدي تكتشف بعد أن تصبح في مراحل متقدّمة في دول الشرق الأوسط، مما يزيد الحالة تعقيداً. ولعلّ الجديد في هذا المجال، أنّ المرأة، وحين تلاحظ أمراً غير طبيعي في ثديها، سواء اكتشف الأمر بالفحص الذاتي أو بصورة الثدي «الماموغرام» أو الموجات الصوتية «الالترا ساوند»، بات بإمكانها الخضوع إلى تخدير موضعي لاستئصال نسيج من الثدي الحي ودراسته مجهرياً، عبر استخدام إبرة، بدون الحاجة إلى الجراحة لهذه الغاية! «سيدتي» تطلع على أبرز البحوث الجديدة في مجال سرطان الثدي من خلال الحوار الآتي نصّه مع البروفيسور اللبناني ـ الأميركي ناجي خوري أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان:

- كيف تختار المصابة بسرطان الثدي الطبيب المناسب لمواكبة حالتها؟

إن المصابات غالباً ما يقصدن عيادة الطبيب الأقرب إلى مكان سكنهن، ولو أن الأمر ليس بهذه السهولة، بل يحتاج إلى دقة، ويتطلّب مجموعة مؤلفة من الأطباء، تشمل: الجراح والمتخصّصين في الباثولوجيا والعلاج الإشعاعي وعلم الأورام، فضلاً عن الدعم النفسي. وإذا كان علاج سرطان الثدي مؤمّناً في بعض المراكز الطبية العالمية على هذا النحو، الا أن الأمر ليس شائعاً ورائجاً في الشرق الأوسط. لذا، أنصح المرأة بأن تسأل عن الأفضل والأمهر، في هذا المجال، وألا تكتفي بالإطلاع على اختصاص الطبيب حصراً، بل التأكد من خبرته وعدد العمليّات التي قام بها في هذا المجال.

 

إبر دقيقة للغاية

- ما هو الجديد في مجال علاج سرطان الثدي؟

ثمة بحوث ودراسات ثورية في هذا المجال، ولعل أبرزها استئصال نسيج من الثدي الحي بواسطة إبرة ودراسته مجهرياً، وذلك حين يلاحظ أمر غير طبيعي فيه، سواء اكتشف الأمر بالفحص الذاتي أو «الماموغرام» أو «الالترا ساوند». وتستخدم هذه الإبرة لاستئصال جزء من النسيج بمواكبة التصوير، بعد أن تكون المرأة مخدّرة موضعياً، من دون الحاجة إلى الجراحة لهذه الغاية. وهذه الإبر دقيقة للغاية، وتجعل الجراحة غير ضرورية إذا كان الورم حميداً. وإذا كان الورم سرطانياً، يمكن للمصابة الخضوع إلى جراحة واحدة لعلاجه وليس إلى جراحتين، واحدة للكشف وأخرى للعلاج. وبالطبع، يعطي هذا الأمر نتائج أفضل في مجال الجراحة التجميليّة.

 

- ما هي مجالات علاج سرطان الثدي؟

تعتمد العلاجات على حجم ومكان الورم في الثدي، وسن المرأة وصحتها. وثمة جوانب أربعة في علاج سرطان الثدي، تشمل: الجراحة والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي والعلاج الهرموني.

- في مجال الجراحة، هناك استئصال الثدي. وإذا كان الحل الوحيد المتاح سابقاً لدى اكتشاف الورم السرطاني يكمن في استئصال الثدي، فقد بات من الممكن اليوم ولدى الاكتشاف أن حجم السرطان صغير بالمقارنة مع حجم الثدي (أقل من سنتيمترين إلى 3 سنتيمترات)، استئصال الرقعة السرطانية حصراً، مع الاحتفاظ بالثدي. تليه مرحلة من العلاج الوقائي الإشعاعي (من 4 إلى 6 أسابيع) لعدم معاودة ظهور السرطان. وممّا لا شك فيه، أن طبيعة الندوب المترتبة عن هذه العملية تبقى في يديّ الجراح المتمكّن.

وللأسف، يتم الكشف عن غالبية حالات سرطان الثدي في الدول العربية في مرحلة متقدّمة، وذلك حين تبلغ الخلايا السرطانية الغدد اللمفاوية الموجودة تحت الإبط، فيصبح العلاج الكيميائي أمراً لا مفرّ منه. وفي هذه الحال، تتمّ الجراحة على الفور، ويصبح من الصعب الاحتفاظ بالثدي. لذا، هناك ما يسمّى بالعلاج الكيميائي ما قبل الجراحي، ويتمّ حين تتعرّض المرأة له لمدّة 3 إلى 4 أشهر بهدف تقليص حجم الورم، ثم تقوم بالحفاظ على ثديها، في بعض الحالات. لكن إذا كان الورم منتشراً في غير مكان من الثدي، لا يمكن الاحتفاظ بهذا الأخير، ويصبح استئصاله ضرورة.

تقليدياً، كانت جراحة الثدي تتمّ على يديّ جرّاح عام، إلا أنه يهمني التشديد على أنها تحتاج إلى جراح من طراز عال ومعروف، ولكن الأمر ليس شائعاً في الشرق الأوسط.

 

- في مجال العلاج الكيميائي: يتمّ الخضوع إلى العلاج الكيميائي، إذا بدأ السرطان بالانتشار خارج الثدي أو حين يكون حجمه كبيراً ويمتلك خصائص معينة، علماً أنّه إذا لم يعالج بالكيمياء، قد يعاود الظهور لدى المصابة.

إن المتخصص في علم الأورام يعلم ما اذا كانت المرأة تحتاج حقاً إلى هذا العلاج ويمكن أن تستفيد من نتائجه. وبالطبع هو مرتفع التكلفة، ويجدر النظر إليه بدقة، لان إيجابياته في بعض الحالات ضئيلة للغاية.

- في مجال العلاج الهرموني: يناسب بعض الحالات، ويعمل على منع الخلايا السرطانية من الحصول على الهرمونات اللازمة لنموها. وقد تحتاج المرأة إلى العلاج الكيميائي والهرموني معاًً، أو إلى أحدهما.

- في مجال العلاج الإشعاعي: بعد استئصال الورم والحفاظ على الثدي، تحتاج المرأة إلى علاج إشعاعي يمتد على 6 أسابيع. لكن ثمة دراسة أشرف عليها فريق بحث كندي تشير إلى أن هذه المدة يمكن أن تقلّص إلى النصف، وبالطبع إن هذا الأمر يعني أن المصابة ستحصل على كميات أكبر من الإشعاعات في فترة أقل، ولكن ستنال النتيجة عينها، مما سيخفّف الجوانب السلبية المترتبة. ولكن نحتاج إلى مزيد من الاختبارات في هذا الصدد. ومن جهة ثانية، ثمة بحوث ما تزال في مرحلة الاختبار تشير إلى أن العلاج الإشعاعي يمكن أن يوجّه إلى الورم حصراً وليس إلى كامل الثدي، وقد اختبر الأمر على حالات محدّدة لورم صغير، وما تزال الأبحاث جارية.

 

الدعم النفسي

- ما هي أهمية الدعم النفسي للمصابة بسرطان الثدي؟

بالطبع، تُعاني المرأة، مهما كان سنّها أو وضعها الاجتماعي، من صدمة حين تشخّص إصابتها بسرطان الثدي. وبالتالي، تحتاج إلى الدعم، سواء من قبل الزوج أو العائلة أو الأصدقاء. قد يظن بعض النساء غير المتعلمات أن سرطان الثدي مرادف للموت، إلا أن الأمر ليس كذلك! وبالطبع، إن الطبيب المعالج لا يمتلك الوقت الكافي أو الصفة الملائمة للعب دور الداعم النفسي، ولو أنه يقوم بالأمر أحياناً، لغياب من يفعله.

تقوم المراكز المتخصصة والتي تهتمّ بالمصابات بسرطان الثدي بهذا الأمر وتنظّم دورات تثقيفية للزوج والأولاد الراشدين، كما أن مجموعة اصدارات باللغات كافة تطرقت إلى هذا الموضوع.

 

- ما هو الفارق بين «الماموغرام» الفيلمية العادية و«الماموغرام» الرقمية (الديجيتال)؟

طُوّرت «الماموغرام» الفيلمية في منتصف الثمانينيات، وفي العام 2000 دخلت «الماموغرام» الرقمية حيّز التطبيق. ومما لا شك فيه أن هذه الأخيرة تسمح برؤية أبعاد أكبر وبمراقبة أجزاء الثدي. وفي هذا الإطار، ثمة دراسة أميركية شملت 50 ألف امرأة خضعن للتصويرين الفيلمي والرقمي، وبعد سنة ونصف من المراقبة، تبيّن أن «الماموغرام الديجيتال» تمتلك خصائص إضافية بارزة. ولكن هذه النتيجة لا تنسف أهمية «الماموغرام» الفيلمية، ولا تعطي المرأة الحق في رفضها في حال لم يتوافر «الديجيتال»، علماً أن الصورة الأخيرة مرتفعة التكلفة.

 

رسالة...

- هل من رسالة توجّهها إلى النساء في الشرق الأوسط؟

لقد عملت منذ 7 سنوات في مجال التوعية بسرطان الثدي على الصعد كافة، وزرت دولاً عدّة في الشرق الأوسط لهذه الغاية، وقد تجاوبت بعض الحكومات هناك مع ما نفعله في سبيل تطوير المراكز التي تهتمّ في هذا المجال. وثمّة تحدّ في هذا المجال، لا يقتصر على تأمين مستشفيات جيدة، بل يمتدّ إلى دور المرأة.

وفي هذا الإطار، أقول للنساء: إقتربن من أثدائكن، ولا تتردّدن في طلب المشورة الطبية إذا وجدتنّ ما هو غير طبيعي فيها، لا تهملن «الماموغرام» بحجة غياب الاستعداد العائلي إذ تبيّن أن سرطان الثدي يتطوّر لدى نسبة تراوح بين 70% و80% من الحالات التي لا تمتلك تاريخاً عائلياً.ومعلوم أن سرطان الثدي، في حال الكشف المبكر عنه، يشفى بصورة تامة.

وبالطبع، بدأ مسار التوعية في هذا المجال في الدول الغربية منذ 1960، وارتفعت نسبة الوعي بين السيدات لتبلغ 80%، الا أنّه في الشرق الاوسط، لم تسجّل هذه النسبة أكثر من 10%، والمنطق يثبت ان النسبة الأخيرة لن ترتفع إلى مستويات كبيرة في خلال سنة أو اثنتين، بل يحتاج الأمر إلى الوقت وتراكم الخبرات.