العلماء يقدّمون الوعود ومرضى الربو ينتظرون

احتفل العالم مؤخراً باليوم العالمي للتوعية بمرض الربو. ورغم شيوع كلمة "ربو" بين الناس، إلا أن كثيرين ممّن لم يصابوا به لا يدركون ما الذي يعنيه هذا المرض وكيف يؤثّر على حياة المرء اليوميّة وكيف يعاني منه المريض.

وفي بريطانيا وحدها، يقضي أشخاص ثلاثة في كلّ يوم نتيجةً للإصابة بالربو ومضاعفاته، علماً أن ما يزيد عن 90% من حالات الوفاة يمكن تجنّبها. ويعاني واحد من بين كلّ 25 من البالغين في بريطانيا، وواحد من بين كلّ 7 من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين سنتين وخمسة عشر عاماً من الربو، وهذا العدد في تزايد مستمر. وفي السنوات العشر الأخيرة، تضاعف عدد المصابين من الأطفال دون سنّ الخامسة.

 

ما هو الربو؟

الربو حالة مرضية تصيب المجاري التنفّسية والأوعية الدقيقة التي تنقل الهواء من وإلى الرئتين، تظهر أعراضها عندما يكون المصاب على تماس أو على مقربة من العوامل المحفّزة التي تهيّج المجاري التنفّسية وتسبّب حدوث النوبة. وهذه الأخيرة تبدأ عادةً بانقباض العضلات الموجودة حول جدران المجاري التنفسية، ما يجعل المجاري أكثر ضيقاً، كما تبدأ بطانتها بالانتفاخ والتضخّم وتسبّب صعوبةً في التنفس إيذاناً ببدء أعراضها.

 

أعراض الربو

تشمل الأعراض الشائعة للربو:

- السعال المتقطّع أو المتواصل.

- الصفير والأزيز عند التنفس.

- الصعوبة في التنفس.

- الانقباض والضيق في الصدر.

ولكن، لا يعاني كلّ المصابين بالربو من هذه الأعراض، فالبعض قد يشكو منها من وقت إلى آخر، فيما يعاني البعض الآخر منها كلّ الوقت.

 

ما الذي يدور في كواليس المرض؟

إن إصرار الرياضيين المصابين بالربو على إحراز الميداليات الذهبية يشابه إلى حدّ بعيد إصرار العلماء على فهم الطبيعة المعقّدة للمرض وإيجاد العلاجات المناسبة له! فقبل سنوات عشر، لم يكن يعرف العلماء بشكل دقيق ما الذي يدور في كواليس هذا المرض الذي بدأ يجتاح العالم، أمّا اليوم فقد أثبتت الدراسات أن الأسباب المسؤولة عن الربو هي عوامل معقّدة من الجينات الوراثية والنظم الغذائية وأسلوب الحياة، وعادةً ما تتأثّر هذه العوامل بسنّ المصاب ودرجة الإصابة. وجرى مؤخراً تطوير اللقاح الأنبوبي الفعّال، ويأمل الأطباء في هذا الإطار بألا تعاني الأجيال المقبلة من الربو كما يعاني هذا الجيل. وفي هذا الصدد، يقول رئيس الاستشاريين في "الحملة البريطانية للتوعية بالربو" البروفيسور مارتن بارتريج: "أعتقد أن السنوات العشر الماضية هي الأكثر أهميّة بالنسبة لبحوث الربو، وقد حدثت خلالها كثير من الاكتشافات الجوهرية، وصار لدى الأطباء فهم أكبر بكيفيّة منع أو تقليل نوبات الربو".

 

جديد علاجات الربو

تشهد بحوث الربو تطوّرات كبيرة تساعد في إيجاد علاجات جديدة تفتح باب الأمل على مصراعيه، وتمنح الجيل الجديد من المصابين أملاً بحياة أفضل ومعاناة أقل. وفي ما يلي التطوّرات الطبية الأخيرة، في هذا المجال: 

- اللقاحات Vaccines: تعدّ "الجمعية الوطنية البريطانية للقلب والرئة في لندن" رائدة في اكتشاف وتصنيع النموذج الأصلي من اللقاح المضاد للحساسيّة التي تسبّبها القطط والتي يعاني منها حوالي نصف الأطفال المصابين في بريطانيا وحدها. ويعمل هذا اللقاح على إزالة أو إضعاف وحجز العوامل التي تسبّب هذا النوع من الحساسية. ويؤمل أن تعمّم تجربة اللقاحات لتشمل أنواع الحساسيّة الأخرى، ومن بينها: غبار الطلع والأتربة. كما يستعمل حالياً علاج شبيه باللقاح يسمّى Immunotherapy للحدّ من بعض أنواع الحساسيات (الحشائش وبعض الزهور)، ولكنّه يحتاج إلى استمرارية في زرق الإبر وأخذ جرعات كبيرة ربما تكون غير مأمونة الجانب!

- لصقات الجلد Skin Patches: ربما تكون اليابان هي الدولة الأولى في العالم التي استخدمت لصقة الجلد للتخفيف من نوبات الربو وعلاج أعراضها. واللصقة عبارة عن قطعة من الكريستال تحتوي في داخلها على دواء يجري إطلاقه ببطء وبكميات محدّدة وثابتة داخل الجسم، وبدون زيادة أو نقصان، وليس كما هو الحال مع البخّاخ الذي لا يمكن السيطرة عليه. ولعلّ فائدة اللصقة أنها تقلّل من مخاطر الإصابة بالنوبات الليلية، ومن هنا تأتي أهميتها كعلاج مثالي للأطفال الذين يعانون من الربو.

- مسبار ومجسّات الرئة Lung Probes: ما يزال الأطباء الكنديون في المراحل الأولى من إجراء الاختبارات المطلوبة على نوع من العلاج الخالي من الدواء، يدعى Bronchial Thermoplasty وهو عبارة عن مجسّات غاية في الدقّة تدخل في الرئة، وتطلق موجات راديوية حرارية تعمل على تسخين العضلات المحيطة بالمجاري التنفسية وتمنعها من الانقباض وتساعدها على الاسترخاء. وبذا، تمنع حدوث نوبات الربو.

- اختبارات الدواء Drug Tests: جهاز دقيق تمّت المصادقة على استعماله أخيراً وطرح حديثاً في الأسواق، وهو نوع من المقياس الذي يفحص هواء الزفير الذي يطلقه مريض الربو لمعرفة ما إذا كان الدواء الذي يأخذه كافياً للسيطرة على نوبات الربو. وفي العادة، لا يعرف الطبيب ما إذا كان المريض قد أخذ الجرعة الكافية أم لا، وما إذا كان المريض قد أخذ أقلّ ممّا يحتاجه، وهذا النقصان يعني أن أعراض النوبة ستكون أسوأ والتهابات الرئتين أكثر حدّة. ويحمل هذا الجهاز اسم NIOX system، ويعمل على قياس نسبة أُكسيد النتريك في الزفير، وكلّما كانت نسبة الأُكسيد أكبر، كلّما احتاج المريض إلى جرعة أكبر، والعكس صحيح.

-  بخّاخ بمواصفات متطوّرة: يعمل بخّاخ السترويد، بشكل جيّد، مع عدد من مرضى الربو، وهو العلاج الأكثر شيوعاً بينهم في الوقت الحاضر، إلا أن الدراسات الحديثة تؤكّد أن حوالي 20% حصراً من الدواء الذي يطلقه البخّاخ يذهب إلى البطانة الداخلية للرئة. أمّا البقية فإنها تتسرّب إلى الفم أو مجرى الدم، ما قد يسبّب أعراضاً جانبيّة للمريض. وقد اكتشف الباحثون البريطانيون طريقةً جديدةً يستعمل فيها بخّاخ أكبر حجماً يمتلك خاصيّة إيصال كلّ الدواء إلى المناطق المصابة التي تعاني من الالتهابات، ما يعني أن المصاب لا يحتاج إلى أكثر من واحد بالعشرة من الجرعة المعتادة لأنه يضمن وصولها كلّها إلى المجاري التنفسية.

_ العلاج الجيني Gene Therapy: يعود ما يزيد عن 40% من حالات الربو إلى العامل الجيني الوراثي الذي يطلق عليه العلماء اسم ADAM33، ومن يحملون هذا الجين هم عادةً أكثر عرضةً للإصابة بالمرض. ويبحث العلماء حالياً عن إيجاد الطرق الكفيلة بإبدال الجينات الحاملة للمرض بأخرى سليمة، ويضعون بذا خارطة طريق للحدّ من انتشار هذا المرض، خصوصاً بين الأطفال.

 

علاجات الطب البديل

غالباً ما يتعب مريض الربو من تناول العلاجات بصورة مستمرة ولفترات طويلة، فيبحث عن بعض البدائل التي لا تلغي دور الطبيب ونصائحة وما يصفه من دواء، ولكنها قد تكون ذات أثر إيجابي في السيطرة على الربو والتخفيف من نوباته وأعراضه. وعادةً ما يتناقل المصابون وصفات هذه البدائل في ما بينهم، ويتحدّثون عن تجربتهم مع هذه الطريقة أو تلك. ومن بين هذه البدائل: رياضة اليوغا وخصوصاً النوع الذي يعرف باسم "ساهاجا" Sahaja والذي يتطلّب عادةً فترات طويلة من التأمّل النفسي. وقد أظهرت إحدى الدراسات الأسترالية أهميّة هذا النوع من الرياضة في التخفيف من نوبات الربو وجعل المريض أقل حساسيّة للعوامل التي تحفّز المجاري التنفسية، وربما يعود السبب في ذلك إلى دور اليوغا في التقليل من هرمون الضغط النفسي وما يترتّب عنه من استرخاء في أعضاء الجسم ومنها الرئتين. وفضلاً عن اليوغا، هنالك بدائل أخرى أبرزها:

- تناول الأسماك الزيتية: ترى بعض الدراسات العلمية أن تزايد أعداد المصابين بالربو في بريطانيا يعود بالأساس إلى انخفاض استهلاك السمك في الثلاثين سنة الأخيرة! فقد وجد باحثون من جامعة كيمبرج أن تناول الأسماك الزيتية بانتظام يمكن أن يحمي المرء من الربو بسبب احتوائها على أحماض "أوميغا 3" التي تمنع حدوث الالتهابات.وينصح العلماء في تناول وجبة سمك واحدة كلّ أسبوع، علماً أن الإكثار من الأسماك الزيتية قد يؤدّي إلى تحوّلها إلى أكاسيد مؤذية للجسم.

- تناول الفيتامينات: قد تجنّب الحامل طفلها من إمكانية الإصابة بالربو إذا ما واظبت على تناول الأغذية الغنية بفيتامين "إي" E المتوافر في الزيوت النباتية والخضر ذات الأوراق الخضراء والمكسّرات. وفي هذا الإطار، تفيد دراسة لباحثين في جامعة ابردين بأن هذه الأغذية تجعل الرضيع أقلّ حساسيّة للعوامل المحفّزة الشائعة كغبار الطلع والأتربة، كما تؤكّد أن أطفال المدارس الذين يأكلون التفاح والبرتقال والكيوي هم أقلّ عرضة للصفير وعسر التنفس بسبب احتوائها على مضادات الأكسدة التي تعمل على الوقاية من أمراض التهابات الرئة.

- إنقاص الوزن الزائد: تؤكّد الدراسات العلمية أن زيادة الوزن ترتبط عادةً بالربو، وأن تبديل النظام الغذائي وتخفيف الوزن الزائد يمكن أن يقلّل من احتمالية الإصابة بهذا المرض. وتبيّن دراسة بريطانية تناولت خمسة عشر ألف طفل أن أكثر الأولاد وزناً هم الأكثر إصابةً بالربو، ولكن لم يتأكّد في ما إذا كانت السمنة التي يعاني منها الأطفال المصابون هي بسبب عدم قدرتهم على القيام بالتمرينات الرياضية أم أن البدين يصاب بالربو بسبب زيادة الوزن التي تسبّب له مشكلات في المجاري التنفسية.

- التخلّص من الغبار: يمكن التخلّص من الغبار وتنظيف البيوت منه عن طريق تبخير الأرضيات وتثبيت مراوح خاصة تقوم بشفط الرطوبة والغبار وإبدالها بهواء جاف ونظيف، مع وضع واقيات على السرير. وتثبت إحدى الدراسات التي أجريت في جامعة ستراثكليد أن هذه الطرق يمكن أن تقلّل من زيارات مريض الربو إلى الطبيب بنسبة 60%، كما تقلّل من عدد مرّات استخدام البخّاخ.

 

 

ما يجب أن تعرفه عن الربو

- يغيب العلاج الشافي للربو، ولكن يمكن السيطرة عليه بواسطة الأدوية التي تمنع أو تنبئ بحدوث الأزمة والتي تؤخذ يومياً وبانتظام أو الأدوية المسكّنة عند حدوث الأزمة والتي تساعد على استرخاء عضلات المجاري التنفسية وتؤخذ عادةً في أي وقت يحتاج فيه المرء إلى السيطرة على أعراض المرض، ولكن بعد استشارة الطبيب.

 

- يجدر بالمصابين بالربو تجنّب المهيّجات والمواد التي تسبّب الحساسيّة كدقائق الغبار الصغيرة للغاية، وذلك عبر غسل الشراشف أسبوعياً بالماء الحار على حرارة تتجاوز 60 درجة مئوية، كما إزالة قطع الأثاث غير الضرورية التي قد تحتوي على ألياف ناعمة. ويفضّل أيضاً استعمال الأرضيّات الخشبيّة بدلاً من السجاد والأرضيات النسيجية وإبدال الستائر العادية بأخرى معدنية والتوقّف تماماً عن التدخين. ومن الأفضل الإمتناع عن إيواء الحيوانات في البيت لأن بعض المصابين يتحسّسون من شعر أو فراء بعض الحيوانات.

 

- تتوافر بعض العلاجات المفيدة (بالإضافة إلى الأدوية)، وتظهر البحوث التي قامت بها الحملة الوطنية للربو أن الاسترخاء والتأمّل والراحة، إضافة إلى التغذية الجيدة وتناول الفاكهة الطازجة والخضر، وخصوصاً الكمثرى والبروكلي والملفوف الداكن والكرفس يمكن أن تساعد في تمتين دفاعات الجسم ضد الربو.

 

- إذا تعرّضت أنت أو أحد أفراد عائلتك إلى نوبة ربو غير طبيعية، لا تنفعل أو ترتعب كي لا تفقد السيطرة على الموقف. وإذا وجدت أن الدواء الذي اعتدت عليه لم يعد نافعاً في تخفيف الأزمة، اتصل بسرعة بالطبيب أو بسيارة الإسعاف، مع الاستمرار في تناول العلاج المتوافر إلى أن تصلك المساعدة. وربما يحتاج الأمر، حينها، إلى استعمال قناع طبي يغطّي الفم والأنف ويمرّ عبره الدواء إلى جهازك التنفسي.

 

- وتذكّر أخيراً ألا تتوقّف عن أخذ الدواء بشكل منتظم سوى بعد مناقشة الأمر مع طبيبك.