الاحتجاج على غشِّ المكياج..!


من المقرر أن الله  ـ جل وعز ـ خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعله في صورة بهية من غير “مكياج” أو “ريجيم”..!

لقد تنادى الناس، وحذروا من الفساد الإداري والفساد الأخلاقي، والفساد الثقافي والفساد المالي، ولم يتطرقوا -بحال من الأحوال- إلى ما يمكن أن أسميه الفساد “الجمالي”.. ولكن ما المقصود بهذا المصطلح..؟!

الفساد الجمالي -مصطلح عرفجي-، يقصد به تزوير حقيقة الوجه، بحيث يكتسي شكلا مستعارا ولونا تنكريا، يزول متى ساحت الأصباغ، وانساحت الألوان والمساحيق..!

إن المكياج في أبسط صوره، هو استعارة واستلاف ألوان؛ لم تكن لصاحبتها في الأصل، وهذا يدخل في باب الغش والتدليس، ولا يندرج -كما يظن البعض- في مفهوم «إن الله جميل يحب الجمال»..!

لقد حدثني أحد الرجال بأنه خطب امرأة، وحين الرؤية الشرعية رآها بيضاء تسر الناظرين، من جراء المساحيق والألوان، ولكن بعد الزواج تبين له أنها إلى السواد أقرب، وإلى الليل أنسب، وعندما حقق في الأمر، وجد أنه لم يكن أكثر من ضحية لعلبة مكياج..!

والمكياج وأصباغه، والمساحيق وألوانها داء قديم، وقد أشار إليه المتنبي عندما قال في وصف مجموعة من البدويات:

من الجآذر في زي الأعاريب

حمر الحلى والمطايا والجلابيب

إن كنت تسأل شكا في معارفها

فمن بلاك بتسهيد وتعذيب

لا تجزني بضنى بي بعدها بقر

تجزي دموعي مسكوبا بمسكوب

إلى أن يقول:

ما أوجه الحضر المستحسنات به

كأوجه البدويــات الرعابيب

حسن الحضارة مجلوب بتطرية

وفي البداوة حسن غير مجلوب

أين المعيز من الآرام ناظرة

وغير ناظرة في الحسن والطيب

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها

مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب!

فالمتنبي هنا يؤكد أن بنات الحاضرة ذوات حسن مجلوب، أي متكلف ومصطنع تفعله الأصباغ، أما بنات البادية فجمالهن رباني غير مجلوب بمكياج، أو كحل أو مسحوق.. وأستغرب أن غزارته الشعرية لم تسعفه في هذا الأمر، فاستعان بأوصاف الحيوانات الصديقة الصدوقة، التي لا تحب تزييف «المكياج»، مثل البقر و المعيز والظباء..!

إن ظاهرة المكياج واستخدامه بكثافة؛ تكاد تكون من العلامات الفارقة لبنات الخليج، ومن يتسكع في شارع «إجور رود» في لندن؛ سيلحظ أن الخليجية تسير وعلى وجهها طبقة سميكة من الأسمنت المكياجي..!

والمفارقة هنا أن بنات بريطانيا وفرنسا وإيطاليا؛ اللاتي يعتبرن المكياج يصنع في بلدانهن، لا يستعملن المكياج بنفس الشراسة والكثافة والسمك؛ الذي يستخدمنه بها بنات الخليج..!

أتذكر أن سيدة إنجليزية كبيرة في السن؛ سألتني –ذات مرة- لماذا البنات عندكم يستخدمن المكياج استخدام «مودع».. أو استخدام الشغوف الذي اكتشف للتو هذه المساحيق..؟! سألتني هذا السؤال، فحدقت في وجهها، ولم أفلح في الوصول إلى الجواب..!

بعد كل هذا يمكن القول: إن المكياج هو وسيلة التزوير، ومن الغريب أن لدينا لجانا لمكافحة التزوير ومكافحة الغش التجاري، ومكافحة الفساد المالي وحماية المستهلك، ولكن ليس لدينا لجنة لمكافحة الغش الجمالي أو حماية المستهلك للجمال، على اعتبار أن الزوج مستهلك للمرأة ويجب حمايته..!

وما يدخل في المكياج يدخل في الغش من سمكرة الوجه، من خلال نتف الحواجب، أو صبغ الشعر، ومن يقرأ في أدبيات وتراث الفتوى الحنبلي يجد مئات الفتاوى؛ التي توبخ النامصة والمتنمصة، والواصلة وناتفة الحاجب..!

إن الجمال يجب أن يكون عذبا ومنسابا من مكونات الإنسان، بحيث يكون ترجمة لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم}... ولله در الشاعر عندما قال:

ليس الجمال «بأصباغ» تزيننا

إن الجمال جمال العلم والأدب!

وإذا كان من حق الرجل أن ينكح المرأة لجمالها... إلخ، فإن التثبت من هذا الجمال يجب أن يخضع لمعايير فحص السلعة، كما يلزم نظام المرور بفحص السيارة قبل إتمام الإجراءات الرسمية، ومن حق الرجل أن يستشير خبيرات، ليتأكدن بأن «شد بلدها» لم يخضع لعمليات الرش، والصنفرة والتلميع، و الترفيع و التنفيخ..!

يا قوم.. تأكدوا أن الجمال الباهر يخرق الطرف الناظر، فيجعله طريحا من غير مكياج أو أصباغ، وتأملوا المكياج الرباني الذي يقال له «الحور»، ماذا فعل بالشاعر جرير التميمي عندما قال:

إن العيون التي في طرفها حور

قتلننا ثم لم يحييـن قتلانــا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله أركانا!

فكفاك «سيدتي» غشا وكفانا.. هداك الله وهدانا.. إنه ولينا ومولانا..!.