تصنيم الأوهام لاختلاق الهجوم على الإسلام!

يحلو لي دائمًا أن أردد أن مهمة «عامل المعرفة» -وليس المثقف- تعرية الخطابات، وفضح الأنساق، وهتك السياق، وتفتيت المساق، وتفكيك العبارات وتشريحها، حتى تخرج ما بداخلها من معانٍ إضافية (Overtones)، ويعرف قائلها أن لعبته اللغوية، وطريقة احتمائه بالمفردات باتت أساليب مكشوفة، و«خزعبلات» معروفة.

حسنًا.. لنعطي الأمثلة على سياق من السياقات، التي تستحق الفضح والتشريح:

قبل سنوات قال لاعب الهلال السابق –المدير الإداري حاليًا- «سامي الجابر» في تصريح لمجلة «المجلة»: إن الهجوم عليه القصد منه الهجوم على نادي الهلال!

وفي حوار مع الشاعر المصنف «شاعرًا إسلاميًّا» د.عبد الرحمن العشماوي قال إن الانتقاص من قدرته الشعرية و«الشاعرية» المراد منه تحطيم «صورة الأدب الإسلامي»!

كما أن إعطاء بطاقة حمراء للاعب الفرنسي الجزائري «المسلم» في بطولة 2006 فسر على أنه تم استهدافه؛ لأنه مسلم!

وأما الدكتور «محمد الهرفي» فقال في مقال سابق: إن الهجوم على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو هجوم على الدين!

أكثر من ذلك ينظر البعض إلى محاكمة الطالب السعودي في أميركا «حميدان التركي»، على أنها لا تفسر إلا من خلال أنها «محاربة للإسلام ومعاداة للدين»!

وقبل سنوات صرح الواعظ عايض القرني كاتب الأناشيد الإسلامية والقصائد الدعوية بأن الهجوم عليه هو هجوم على «المنهج الدعوي»!

وآخر الأمثلة ما سمعته من أحد الأصدقاء «النجديين»، حيث رشح مع مجموعة من الحجازيين لرئاسة تحرير إحدى المطبوعات في جدة -بضم الجيم- فسألته عن إمكانية «الفوز بالترشيح» فرد عليَّ فورًا بقوله: «مستحيل أن أتولى هذا المنصب؛ لأن أهل هذه المطبوعة يكرهون كل نجدي»!

وبعد سيدي القارئ، لعلك أدركت أنت والقارئة الكريمة؛ ما يرمي إليه المقال من خلال هذه الأمثلة، التي لا يفسدها إلا التعليق عليها، فمثل هذه الأوهام لا تقبل إلا إذا كان الشخص وما ينتسب إليه هما وجهان لعملة واحدة، فمثلا من المستحيل أن يكون سامي الجابر هو من يمثل الهلال، صحيح أنه ينتمي إليه، ولكن الهلال لا ينتمي إلى سامي، وعلى ذلك قِس الكثير من المغالطات، وانتسابنا إلى الدين لا يعني انتساب الدين إلينا، فنحن مثلا نتشرف بالإسلام، ولكن الإسلام شريف بنفسه، سواء انتسبنا إليه أم لم ننتسب، ومثلاً هذا الصديق المرشح لرئاسة التحرير، كان «ضعيف الموهبة الصحفية»، وفشل أن يكون إداريًّا، وفشل أيضًا أن يكون شاعرًا، وهو لم يستطع الاعتراف بعدم صلاحيته، لذلك جعل العذر أنه «نجدي»، وكأن «نجديته» هذه أصبحت هي العائق، وليس «هشاشة إمكانياته المهنية»!

كما لا يستطيع الكاتب الهرفي أن يجزم بأن كل العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتمتعون بسعة أفق الصحابة والخلفاء الراشدين والتابعين، ويطبقون سماحة الإسلام، ويقتدون بأوائل المحتسبين الزاهدين في الدنيا، الذين لم يغرهم متاع أو «جمس مكيف ومزود بمايكروفون»، ولم يبحثوا عن سلطة على رقاب الناس، ولم يفتشوا أو يتجسسوا على نواياهم، فضلاً عن سوقهم إلى الفضيلة رغمًا عن النفس الأمّارة بالسوء إلا من رحم ربنا –جل وعز- الذي ألهم النفس البشرية الفجور قبل التقوى، وأوجب الستر قبل الزجر.

ولن أضيّع وقتي كثيرًا في محاولة إفهام الأخ العشماوي أن مصطلح الأدب الإسلامي ولد ميتًا؛ لأنه مشوه، إذ كيف للمشتركات الإنسانية أن تتدثر بالدين، وإلا أصبح كل شيء بوجهين مثل البنوك «فرع إسلامي بلحية»، و«فرع ربوي حليق»، ولأصبح هناك في مجال كرة القدم فيفا «مسيحي» وفيفا «إسلامي»، وفيفا «بوذي»، وعلى ذلك قِس كل مناحي الحياة؛ حتى تتحول كل الجماليات إلى وسائل للتناحر والخلاف.

أما الواعظ عايض القرني فأعتقد أنه «تجاهل» تصريحه وكأن شيئًا لم يكن، حين انتهت الأزمة المالية العالمية، وعاد سوق الكاسيت إلى الانتعاش!

ولا ننسى أن نذكر المتعاطفين مع السجين حميدان التركي بأن أميركا تستطيع أن تغلق المساجد التي تنفق عليها مثلما تنفق على الكنائس، وأن تضيق على تسعة ملايين مسلم تحت أي ذريعة، إن أرادت محاربة الإسلام، لا أن تتملق الحجاج كل عام بكرنفالات رسمية قبل أن يفدوا إلى المملكة!

يا قوم.. تأملوا الخطابات والسياقات، واحذروا أن يضحك عليكم أمثال هؤلاء، حين يجعلون أنفسهم رموزًا للأشياء التي ينتمون إليها، وكل الأشياء السابقة لا تمثل أحدًا، بل هي تمثل نفسها «وبس»!