شذا حسون في بلدها العراق للمرّة الأولى و«سيدتي» برفقتها حصرياً

حبها لوطنها العراق بدّد خوفها من الذهاب لإحياء حفلات في بغداد، متحدّية توقّعات العرّافين لها، بأنها سوف تتعرّض لمحاولة اغتيال. ومؤخراً وطئت قدماها أرض العراق، لملاقاة محبّيها من أبناء وطنها. وأحبّت شذا حسون أن تقوم «سيدتي» بمرافقتها حصرياً من بيروت لتغطية زيارتها الأولى إلى بغداد. التي تعتبر خطوة جريئة وربما تفتح الباب على مصراعيه أمام نجوم عراقيين للقيام بزيارة بلدهم، خاصة أن الشعب العراقي متعطّش لرؤية وسماع وحضور نجومهم.

 

 

الإنطلاق من مطار بيروت

يوم 23 يوليو(تموز) 2009 عند الساعة الثامنة صباحاً كان موعد إقلاع طائرة «بساط الريح» من مطار بيروت إلى مطار بغداد، حيث وصلت الفنانة شذا حسون برفقة مساعدتها نور إلى مطار بيروت عند السادسة والنصف صباحاً، أي قبل ساعة ونصف من موعد إقلاع الطائرة حيث كنا في انتظارها. ولحظة وصولها، تقدّم أحد مسؤولي الطيران، وأخذ منها جوازات السفر وعمل على تسهيل مرورها على نقاط التفتيش في مطار بيروت، رغم زحمة صفوف المغادرين. خلال نصف ساعة، كانت كافة الإجراءات القانونية قد أُنجزت. وقبل موعد الإقلاع، تمّ إبلاغ شذا حسون من قبل إدارة الرحلات المتوجّهة إلى بغداد عن تأخير موعد إقلاع الطائرة ساعة واحدة. خلال هذا الوقت جالت شذا حسون داخل المطار، والتقت في الوقت نفسه بعدد من المعجبين العراقيين الذين ما إن رأوها حتى تجمّعوا حولها يريدون التقاط الصور إلى جانبها. وعند الساعة التاسعة، نودي على المسافرين بالتوجّه إلى الطائرة المسافرة إلى بغداد. وبعد أخذ أماكننا في جناح الدرجة الأولى، سألت «سيدتي» شذا الشاردة الذهن عن شعورها، فقالت: «مشاعري كلها متأهّبة، ولا أستطيع حقيقة تحديدها الآن إلا حين أصل إلى بغداد». وبعد قليل، ناداها كابتن الطائرة ملقياً التحية عليها، ثم قال لها: «حين نقترب من أجواء بغداد، سأسمح لك بالجلوس في مقصورتنا، لتري بغداد عن علو قريب من الأرض». وبعد إقلاع الطائرة بساعة وخمس عشرة دقيقة، توجّهت شذا حسون إلى مقصورة كابتن الطائرة لترى بغداد عن علو منخفض. وبدأت تتلمّس معالم بغداد من الجو، فاحمرّ وجهها وارتجفت يداها تأثّراً.

 

الوصول إلى بغداد

هبطت الطائرة عند الساعة العاشرة وعشرين دقيقة ظهراً، وبقينا داخل الطائرة لغاية الحادية عشرة وعشر دقائق. ساعة من الوقت وكابتن الطائرة ينتظر أن يأتيه الموظّفون بدرج الطائرة، لكن دون جدوى، رغم قيامه بالإبلاغ عن طلبه

عبر المذياع الخاص بينه وبين برج المراقبة. وكانت شذا تتابع سير الأمور باهتمام. بعدها، خرجنا من الطائرة متوجّهين إلى صالون الشرف حيث كان في استقبال شذا وفد رسمي كونها حائزة على جواز سفر دبلوماسي، إلى جانب عدد كبير من نادي معجبيها، خاصة أم حسن الملقّبة بالشذاوية نسبة إلى شذا. ويبلغ عدد «الشذاويين» في بغداد

ما يقارب الـ25 ألف شذاوي، مهمّتهم متابعة وتنسيق أعمال وأخبار شذا حسون. وقد قدّمت أم حسن الشذاوية لشذا، صورتها مرسومة باليد. ثم قدّمت لها علم العراق، فوضعته شذا على كتفيها. بعد ساعة من وصولنا إلى مطار بغداد، توجّهت شذا نحو صالة المغادرة حيث كان في انتظارها سيارات خاصة ورجال أمن خاص عملوا على نقل شذا إلى فندق «الرشيد». وهو فندق يقع في منطقة الخضراء، ضمن حزام أمني مشدّد من قبل القوات الأميركية، ويبعد عن مطار بغداد مسافة نصف ساعة.



شذا في مقصورة قادة الطائرة

شذا تتأمّل الأبنية

وهي في طريقها إلى الفندق، كانت شذا تلتفت يميناً وشمالاً تتفقّد الأماكن والمباني على جوانب الطرق المؤدّية إلى الفندق. وكانت طيلة الوقت تسأل عن بعض المباني الرسمية التابعة للدولة، منها نصب الشهيد ومبنى وزارة الخارجية ومبنى الساعة حيث كان الرئيس الراحل صدام حسين يحتفظ فيه بالهدايا التي كان يتلقّاها من رؤساء الدول الصديقة. وصلت شذا إلى الفندق حيث كان بانتظارها أعضاء نادي الشذاويين. ثم توجّهت إلى الطابق العاشر حيث تمّ حجز جناح كامل لها، مؤلّف من ست غرف خاصة لشذا والوفد المرافق لها. وكانت الساعة قد قاربت الثالثة ظهراً، فبدأت تحضّر نفسها لحفلها الأول عند التاسعة ليلاً في نادي العلوية. أخذت شذا قسطاً من الراحة لغاية الساعة السادسة حيث حضر مصفّف الشعر عمر برفقة شقيقته. وعند الثامنة، توجّهت شذا إلى نادي العلوية حيث مقر الحفل الذي نفدت تذاكره قبل يوم من وصول شذا إلى بغداد. الصالة المخصّصة للحفل سعتها 500 شخص، وقد بيعت التذكرة الواحدة للحفل بـ 100 دولار أميركي. دخلت شذا الحفل عند التاسعة مساءً، وكانت الصالة قد ضاقت بالحضور الذي فاق عددهم قدرة استيعابها. دخلت شذا على إيقاع أغنية «شذاوي شذاوي» من نادي معجبيها. وقدّمت أغاني وطنية ومن جديدها. ولما أدّت أغنية «اسم الله اسم الله»، قام الجمهور ولم يقعد. إحدى النساء تقدّمت منها خلال الحفل وهي تحمل مسبحة صلاة، فانحنت شذا تستلم منها المسبحة وقبّلتها متابعة غناءها وفي يدها المسبحة وهي تقول لجمهورها الحاضر الحامل لصورها: «شلونكم» (كيف حالكم). وكانت تتحدّث مع الجمهور الذي كانت عيونه شاخصة إلى شذا التي غنّت على مدى ساعتين وربع. قدّمت خلالها أغنية كاظم الساهر «وين آخذك» التي سبق وغنّتها شذا معه «ديو» في «تاراتاتا»، ثم أغنيات للسيدة فيروز إلى حين مرور ساعتين ونصف، نزلت بعدها شذا عن المسرح. فما كان من رجال الأمن المرافق لها إلا أن أحاطوها من كافة الجوانب، متوجّهين بها إلى الفندق حيث تنزل.

خلال الحفل في نادي الصيد

 

في اليوم التالي

في اليوم التالي، وقبل حفلها الثاني الذي ستحييه في نادي الصيد العراقي. نزلت شذا إلى باحة فندق «الرشيد» وجالت في أقسامه. ودخلت إحدى صالاته التي تبيع رسوماً زيتية وتحفاً تراثية، تحكي تاريخ العراق وآثار حضارة بابل وما بين النهرين. فاشترت لنفسها لوحة زيتية عليها نقوش دينية ورسومات. ثم توجّهت إلى إحدى القاعات الرسمية التي كان يجتمع فيها الرئيس السابق صدام حسين. ولحظة دخولها إلى القاعة، شعرت شذا برهبة المكان. ثم توجّهت إلى المنبر الذي كان يتكلّم منه صدام حسين، وغادرت القاعة متوجّهة إلى أقسام أخرى من الفندق. ثم عادت أدراجها إلى غرفتها لتناول الغداء المؤلّف من وجبة عراقية وهي عبارة عن سمك نهري محمّر بناء على طلبها. تناولت شذا الغداء ثم خلدت إلى النوم لكي يرتاح صوتها. الحفل الثاني كان موعده عند الحادية عشرة ليلاً وقد كانت شذا جاهزة قبل موعد الحفل، فتوجّهت عند التاسعة إلى نادي الصيد حيث أُقيم لها مؤتمر صحفي في ما يخصّ جولتها الفنية. وبدت شذا بكامل استعدادها وأتت إجاباتها على كامل الأسئلة التي تناولت زيارتها الأولى إلى بغداد، وعن رسالتها للفنانين العراقيين الذين لم يحضروا إلى العراق بعد، كالتالي: «أدعو ليس الفنانين العراقيين فقط، إنما أي شخص يحب العراق ويريد زيارته، فأبوابه مفتوحة للجميع». مضيفة: «لقد حضرت إلى العراق من شدّة حبي لبلدي الذي لم أزره من قبل، وحبي لجمهوري الذي اختارني لأكون نجمة «ستار أكاديمي». فهذه الزيارة ستكون الفاتحة لزياراتي المتكرّرة مستقبلاً». ثم شكرت شذا الصحافيين الذين حضروا من كافة الجرائد والوكالات الإخبارية، إلى جانب التلفزة العالمية التي حضرت المؤتمر الأول لفنانة عراقية في بغداد.



شذا وعمّها

شذا تلتقي عمها

بعد المؤتمر، توجّهت شذا إلى غرفة خاصة بها تأخذ قسطاً من الراحة، لحين موعد صعودها إلى المسرح. في هذه الأثناء، تمّ إبلاغها أن عمها شقيق والدها سلام حسون يريد رؤيتها. عندما سمعت بالخبر بدأت ترتجف من لحظة اللقاء قائلة: «الله، كيف لي أن أحبس دموعي؟ فهذه المرّة الأولى التي ألتقي بها عمي». وجلست تنتظره بفارغ الصبر. ولحظة حضوره، وقفت تنظر إليه وإلى أولاد عمها باستغراب، غير مصدّقة أن من يقف أمامها هو عمها. جلست شذا تتحدّث إليه وتسأله عن أحواله. وقد قدّم لها تحفاً وآثاراً عن العراق كذكرى منه لإبنة شقيقه التي يعتزّ بها، قائلاً لـ«سيدتي»: «لقد قمنا بحملة تصويت واسعة لشذا في «ستار أكاديمي». ثم ودّعها قائلاً لها: «لقد حجزت التذاكر اليوم لحضور حفلك، بعد أن سمعت الإعلان عن وصولك». فشكرته شذا على حضوره، محمّلة إياه التحيات لعائلتها. سألتها «سيدتي»: هل كنت تتوقّعين رؤية عمك؟ فقالت: «بالتأكيد لا. لم أصدّق عينيّ أن من يجلس إلى جانبي هو عمي، سبحان الله». بعد ذلك، أجرت بعض اللقاءات الصحافية، ثم توجّهت إلى المسرح حيث الصالة كانت تعجّ بالحضور من كافة الطبقات الشعبية في العراق. وعندما رأت شذا هذا الكمّ من الحضور بكت أمامهم قائلة: «لقد أخافوني من خطر المجيء إلى العراق، بسبب الوضع، لرؤية بلدي وجمهوري الذي من خلاله أصبحت فنانة». وذرفت دموعها، فعلا صوت الحضور قائلين لها: «دمعك غالي يا شذاوي». وصفّقوا لها وبدأت الغناء: «بغداد» بدون موسيقى، ثم «حلوة وجميلة»، «طالعة من بيت أبوها»، «عشاق»، «جنة جنة»، «حبك ريحني»، «ألف مرة». وبين الأغنية والأخرى، كانت تتكلّم مع الجمهور قائلة لهم: «شلونكم زينين» (كيف حالكم) وهم يردّدون خلفها: «زينين» (بخير)، حاملين صورها داخل الصالة وهم يصرخون: «شذاوي شذاوي». غنّت شذا على مسرح نادي الصيد العراقي، وكأنها لم تغنِ بهذه الحماسة من قبل. فعاشت ساعتين على المسرح، كما قالت لـ «سيدتي»، كأنهما دقيقتان. وأضافت: «كنت أتمنى لو كان التوقيت مناسباً أن أغني حتى الصباح. لم أتصوّر يوماً أنني سأقف على مسرح في بغداد وأغني لجمهوري، فهذه الحفلات عزّزت بداخلي الإستمرارية». كما أعربت لـ «سيدتي» أن زيارتها هذه إلى بغداد كانت بمثابة اختبار شخصي، تقرّر على أساسه الإستمرار في الفن أم لا. لكن، بعد حضورها إلى العراق تعزّزت ثقتها بفنها وجمهورها الذي يحبها وينتظر حضورها دوماً إلى العراق.



ومع الزميلة زلفا رمضان

العودة إلى بيروت

وفي اليوم التالي، توجّهنا عند التاسعة صباحاً إلى مطار بغداد للعودة إلى بيروت، حيث موعد إقلاع الطائرة عند الحادية عشرة صباحاً. ولكن، كالعادة تأخّر الإقلاع لغاية الثانية عشرة ظهراً حيث وصلنا بيروت عند الواحدة والنصف ظهراً. وكان في انتظار شذا عند باب الطائرة سيارة خاصة نقلتها إلى صالون الشرف، حيث استقبلها وفد حضر خصيصاً لملاقاة شذا حسون التي شكرت «سيدتي» على مرافقتها إلى العراق رغم الظروف الصعبة.